خطبة
الحُبُّ في اللهِ، والبُغْضُ في اللهِ
06.08.2025
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
عن مُعَاذٍ بنِ جَبلٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّه ﷺ، أَخَذَ بِيَدِهِ وَقالَ: «يَا مُعَاذُ واللَّهِ إِنِّي لأُحِبُّكَ، ثُمَّ أُوصِيكَ يَا مُعاذُ لاَ تَدَعَنَّ في دُبُرِ كُلِّ صلاةٍ تَقُولُ: اللَّهُم أَعِنِّي عَلَى ذِكْرِكَ وَشُكْرِكَ، وحُسنِ عِبَادتِك.»
إِنَّ دِينَنَا الْحَنِيفَ يَأْمُرُنَا بِتَعْظِيمِ اللَّهِ، وَذِكْرِهِ، وَشُكْرِهِ، وَالْحُبِّ فِيهِ وَالْبُغْضِ فِيهِ. فَكُلُّ عَمَلٍ يَعْمَلُهُ الْإِنْسَانُ ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ فَهُوَ عِبَادَةٌ. وَقَدْ قَالَ الْحَبِيبُ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « أَفْضَلُ الْأَعْمَالِ الْحُبُّ فِي اللَّهِ وَالْبُغْضُ فِي اللَّهِ »
خَلَقَ اللَّهُ الْإِنْسَانَ كَائِنًا اجْتِمَاعِيًّا يَمْتَلِكُ مَشَاعِرَ الْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَالِاهْتِمَامِ. مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ حُبُّهُ لِلَّهِ، وَطَلَبُ رِضَاهُ أَهَمَّ شَيْءٍ فِي حَيَاتِهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: ﴿قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ وقَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: «مَن أحبَّ للهِ، وأبغَضَ للهِ، وأَعْطَى للهِ، ومنَعَ للهِ، فقد استَكْمَلَ الإيمانَ» لِأَنَّ هَذَا أَصْلٌ مِنْ أُصُولِ الْإِيمَانِ، وَالْمَحَبَّةُ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ أَوَّلًا لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ. وَوَرَدَ فِي الْحَدِيثِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوَةَ الإيمانِ: أنْ يكونَ اللهُ ورسولُهُ أحبَّ إليه مِمَّا سِواهُما، وأنْ يُحِبَّ المرْءَ لا يُحبُّهُ إلَّا للهِ، وأنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ بعدَ إذْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ؛ كَما يَكرَهُ أنْ يُلْقى في النارِ»
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
بَشَّرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِنَّ مِنْ السَّبْعَةِ الَّذِينَ يُظِلُّهُمْ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ، رَجُلَيْنِ تَحَابَّا فِي اللَّهِ، اِجْتَمَعَا عَلَيْهِ، وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ. غَيْرَ أَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَيْسَ مُجَرَّدَ ادِّعَاءٍ بَاطِلٍ، بَلْ مِنْ الضَّرُورِيِّ أَنْ يَعِيشَ الْإِنْسَانُ مُلْتَزِمًا بِأَوَامِرِ اللَّهِ وَنَوَاهِيهِ. الْمَحَبَّةُ شُعُورٌ مُتَبَادَلٌ يَجِبُ أَنْ يُقَابَلَ بِالْحُبِّ. بَيْنَمَا الْإِيمَانُ مِنْ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ فَإِنَّ الْمَحَبَّةَ مِنْ الرَّبِّ لِعَبْدِهِ وَمِنْ الْعَبْدِ لِرَبِّهِ. فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ لَنَا الْكَمَالَ وَلِذَلِكَ يُعَلِّمُنَا أَنَّهُ: «لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حتَّى يُحِبَّ لأَخيهِ ما يُحِبُّ لِنَفسه» أَيْ أَنَّ الْمَحَبَّةَ أَسَاسُ الْإِيمَانِ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
إِنَّ فِطْرَةَ الْإِنْسَانِ تَمِيلُ إِلَى حُبِّ الْكَمَالِ. فَإِذَا أَدْرَكَ الْعَبْدُ هَذَا الْكَمَالَ أَحَسَّ بِمَحَبَّةٍ عَظِيمَةٍ تُجَاهَ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَّصِفِ بِالْكَمَالِ وَالْجَمَالِ. إِنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِالْمَحَبَّةِ بَعْدَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ الْأُمُّ وَالْأَبُ؛ لِأَنَّهُمْ سَبَبُ وُجُودِنَا فِي الدُّنْيَا، ثُم إِخْوَتُنَا، وَأَزْوَاجُنَا الَّذِينَ نُشَارِكُهُمْ الْحَيَاةَ فِي الْفَرَحِ وَالْحُزْنِ، وَأَبْنَائُنَا الَّذِينَ نَتْرُكُهُمْ بَعْدَ مَوْتِنَا يُكْمِلُونَ عَمَلَنَا الصَّالِحَ. وَلِذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ نُحِبَّهُمْ وَنُظْهِرَ لَهُمْ هَذَا الْحُبَّ. فَإِنَّ إِظْهَارَ الْحُبِّ مُهِمٌّ جِدًّا كَمَا نَشْعُرُ بِهِ فِي قُلُوبِنَا. وَلَا بُدَّ مِنْ الِاعْتِدَالِ فِي الْحُبِّ وَالْبُغْضِ. أَمَرَنَا رَسُولُنَا الْكَرِيمُ بِأَنْ نَعْتَدِلَ فِي الْحُبِّ وَالْبُغْضِ وَقَالَ: «أَحْبِبْ حَبِيبَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ بَغِيضَكَ يَوْماً مَا، وَأَبْغِضْ بَغِيضَكَ هَوْناً مَا عَسَى أَنْ يَكُونَ حَبِيبَكَ يَوْماً مَا.» فَالْمُؤْمِنُ لَا يَجِبُ أَنْ يُفَرِّطَ فِي الْحُبِّ حَتَّى يَصِيرَ أَعْمَى، وَلَا يُفَرِّطَ فِي الْبُغْضِ حَتَّى يَتَجَاوَزَ الْعَدْلُ وَالْإِنْصَافُ الْحُبَّ، لَا يَجِبُ أَنْ يَتَحَوَّلَ الْحُبُّ إِلَى مَصْلَحَةٍ شَخْصِيَّةٍ، وَلَا الْعَدَاوَةُ إِلَى كَرَاهِيَةٍ. الْحُبُّ وَالْبُغْضُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كُلُّهُ لِنَيْلِ رِضَا اللَّهِ، فَيُحِبُّ لِلَّهِ وَيُبْغِضُ لِلَّهِ. حَذَّرَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأنَّ مَحَبَّتَنَا لَا يَنْبَغِي أَنْ تُعْمِيَنَا، بَلْ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ كَمَا أَمَرَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَلَيْسَ عَلَى هَوَانَا وَكَمَا نُرِيدُ.
فَلْنُقَوِّ مَحَبَّتَنَا بِصِدْقِ النِّيَّةِ وَلْنَكُنْ عَادِلِينَ فِي بُغْضِنَا. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الْمُعْتَدِلِينَ فِي مَحَبَّتِهِمْ، والْعَادِلِينَ فِي عَدَوَاتِهِمْ، والْأَوْفِيَاءَ فِي صَدَاقَتِهِمْ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يُحَاوِلُونَ لِنَيْلِ رِضَاكَ. آمِينَ