خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ: فرحتان في يوم
05.06.2025
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
الْيَوْمَ نَحْتَفِلُ بِعِيدَيْنِ؛ عِيدِ الْأَضْحَى وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ. لَقَدْ صَلَّيْنَا مَعًا صَلَاةَ الْعِيدِ وَاسْتَمَعْنَا لِلْخُطْبَةِ، وَالْآنَ نَسْتَمِعُ لِخُطْبَةِ الْجُمُعَةِ وَبَعْدَ قَلِيلٍ نَقُومُ بِأَدَاءِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ. مَازَالَ الْمُسْلِمُونَ يُضَحُّونَ نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَتَقَبَّلَ أُضْحِيَّتَنَا. الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا عَلَى أَنْ بَلَّغَنَا هَذَا الْيَوْمَ الْمُبَارَكَ، وَجَمَعَ لَنَا بَيْنَ عِيدِ الْأَضْحَى وَيَوْمِ الْجُمُعَةِ، وَرَزَقَنَا هَذِهِ السَّعَادَةَ. وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُعَلِّمِ الْأُمَّةِ الَّذِي بَيَّنَ لَنَا الْحِكْمَةَ مِنَ الْعِيدِ، وَعَلَّمَنَا كَيْفَ نَغْتَنِمُ عِيدَنَا فِي طَاعَةِ اللَّهِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
كَمَا قَرَأْنَا الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ فِي بِدَايَةِ الْخُطْبَةِ، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ وَأَمَّا الْحَدِيثُ الشَّرِيفُ الَّذِي قَرَأْنَاهُ يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ إِنَّهَا لَتَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلاَفِهَا وَإِنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا » فَالْيَوْمَ هُوَ يَوْمٌ نَجْعَلُ فِيهِ أَضَاحِيَنَا وَسِيلَةً لِلتَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَنَيْلِ رِضَاهُ. هَذَا يَوْمٌ نَقْتَدِي فِيهِ بِصِدْقِ أُمِّنَا هَاجَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَبِإِخْلَاصِ إِبْرَاهِيمَ، وَبِخُضُوعِ إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِمْ السَّلَامُ. وَغَيْرُ ذَلِكَ أَنَّهُ يَوْمُ اجْتِمَاعِ الْمُسْلِمِينَ فِي مَكَّةَ الْمُكَرَّمَةِ مِنْ كُلِّ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ لِأَدَاءِ فَرِيضَةِ الْحَجِّ. وَالْيَوْمُ هُوَ يَوْمٌ نُقَدِّمُ فِيهِ الْأَضَاحِيَّ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُحْتَاجِينَ، وَتَزِيدُ الْمَحَبَّةُ وَالْأُخُوَّةُ، وَنَتَذَكَّرُ بَعْضَنَا وَنَسْعَدُ، وَنَتَذَكَّرُ بِهَذَا الْيَوْمِ أَمْوَاتَنَا، وَنَدْعُو لَهُمْ، وَنَزُورُ الْأَقَارِبَ وَالْأَرْحَامَ، وَنُدْخِلُ السُّرُورَ عَلَيْهِمْ. وَنُسْعِدُ الْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ، وَنَزُورُ الْمَرْضَى وَكِبَارَ السِّنِّ، وَنَجْبُرُ الْقُلُوبَ الْمَكْسُورَةَ وَنُهَنِّئُ الْجَمِيعَ بِالْعِيدِ. وَبِهَذَا الْيَوْمِ نُنْهِي الْخِصَامَ وَنَفْتَحُ صَفْحَةً جَدِيدَةً لِيَعُمَّ السَّلَامُ وَالْخَيْرُ وَالرَّحْمَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
الْعِيدُ لَيْسَ مُجَرَّدَ عُطْلَةٍ، بَلْ هُوَ فُرْصَةٌ لِزِيَارَةِ الْأَقَارِبِ، وَالْجِيرَانِ، وَالْأَصْدِقَاءِ، وَالْمَعَارِفِ، وَللِاطْمِئْنَانِ عَلَيْهِمْ وَتَخْفِيفِ هُمُومِهِمْ قَدْرَ الْمُسْتَطَاعِ. الْعِيدُ الْأَصْلُ فِيهِ الْأُخُوَّةُ؛ لِأَنَّنَا نَتَذَكَّرُ أَنَّنَا مَعَ إِخْوَانِنَا، أَبْنَاءِ أُمَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْفَرَحِ والحُزْنِ، وَيَنْبَغِي أَنْ نَكُونَ أُمَّةً وَاحِدَةً، مُتَضَامِنِينَ لَا يُفَرِّقُهُ لُغَةٌ وَلَا عِرْقٌ. فَلْنَتَذَكَّرْ فِي دُعَائِنَا إِخْوَانَنَا الْمَظْلُومِينَ فِي فِلَسْطِين، وَسُورِيَا، وَتُرْكِسْتَانَ الشَّرْقِيَّةِ، وَفِي كُلِّ بُقْعَةٍ مِنْ بِقَاعِ الْأَرْضِ، وَلْنُرَبِّ أَوْلَادَنَا عَلَى الأُخُوَّةِ بِالْقُدْوَةِ وَالْعَمَلِ.
لقَدْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ مِنْ صَلَاةِ الصُّبْحِ يَوْمَ عَرَفَةَ، إِلَى صَلَاةِ الْعَصْرِ مِنْ الْيَوْمِ الرَّابِعِ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، بَعْدَ الصَّلَوَاتِ الْمَفْرُوضَةِ، بِمَا فِيهَا الْعَصْرُ، فَيَقُولُ: «الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، والله أكبر، الله أكبر ولله الحمد». وَبِنَاءً عَلَى الرَّأْيِ الرَّاجِحِ، فَإِنَّ عَدَدَ التَّكْبِيرَاتِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ يَكُونُ فِي ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ صَلَاةً مَفْرُوضَةً، فَلْنَحْرِصْ عَلَى هَذِهِ السُّنَّةِ الْعَظِيمَةِ، وَلَا نَغْفُلْ عَنْهَا.
وَمِنْ خِلَالِ جَمْعِيَّتِنَا فَلْنُقَدِّمْ الْأَضَاحِيَّ لِلْمُحْتَاجِينَ وَالْمَظْلُومِينَ. فَجَزَى اللَّهُ خَيْرًا كُلَّ مَنْ سَاهَمَ وَسَعَى فِي هَذَا الْخَيْرِ كَمَا نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَتَقَبَّلَ مِنْ جَمِيعِ إِخْوَانِنَا وَأَخَوَاتِنَا الَّذِينَ أَدَّوْا عِبَادَةَ الْأُضْحِيَّةِ بِأَنْفُسِهِمْ، وَأَنْ يَجْعَلَهَا عِبَادَةً مَقْبُولَةً مُضَاعَفَةَ الْأَجْرِ وَالْمُثُوبَةِ.
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الْمُتَسَابِقِينَ إِلَى الْبَذْلِ وَالْعَطَاءِ، وَالْمُتَنَافِسِينَ فِي الرَّحْمَةِ وَالْمَوَدَّةِ. جُمُعَةٌ مُبَارَكَةٌ وَعِيدُكُمْ مُبَارَكٌ وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللهِ وبَرَكَاتُهُ.