خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: أخلاق المسلم في التجارة

09.05.2025
Kur'an Sayfa Tesbih Turuncu

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

إِنَّ التِّجَارَةَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ طُرُقِ الْكَسْبِ الْحَلَالِ. أَحَلَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْبَيْعَ وَالتِّجَارَةَ، وَنَهَى عَنْ الرِّبَا وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ. وَقَدْ بَيَّنَتْ ذَلِكَ الْآيَةُ الَّتِي قَرأْنَاهَا فِي بِدَايَةِ الْخُطْبَةِ: ﴿ يَٓا اَيُّهَا الَّذٖينَ اٰمَنُوا لَا تَاْكُلُٓوا اَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ اِلَّٓا اَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُٓوا اَنْفُسَكُمْۜ اِنَّ اللّٰهَ كَانَ بِكُمْ رَحٖيمًا ﴾ وَالْآيَةُ تُشِيرُ إِلَى أَنَّ التِّجَارَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ بِشُرُوطٍ مُعَيَّنَةٍ. وَلِكَيْ يَكُونَ الْكَسْبُ حَلَالًا لَابُدَّ أَنْ يَكُونَ التَّاجِرُ مُتَحَلِّيًا بِخُلُقِ التِّجَارَةِ، وَمُلْتَزِمًا بِشُرُوطِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْإِسْلَامِ. وَمِنْ أَهَمِّ هَذِهِ الشُّرُوطِ أَلَّا يَغُشَّ وَلَا يَخْدَعَ، فَيَبْنِيَ الثِّقَةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّاسِ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ» وَلَا يَجُوزُ لِلتَّاجِرِ أَنْ يَسْتَغِلَّ غَفْلَةَ الزَّبُونِ وَجَهْلَهُ، فَيَبِيعَ لَهُ مُنْتَجًا فَاسِدًا وَغَيْرَ صَالِحٍ. عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ مَرَّ علَى صُبْرَةِ طَعامٍ فأدْخَلَ يَدَهُ فيها، فَنالَتْ أصابِعُهُ بَلَلًا فقالَ: «ما هذَا يَا صَاحِبَ الطَّعامِ؟» قالَ أصابَتْهُ السَّماءُ يا رَسولَ اللهِ، قالَ: «أفَلا جَعَلْتَهُ فَوْقَ الطَّعامِ كَيْ يَراهُ النَّاسُ، مَن غَشَّ فليسَ مِنِّي».  وَلِهَذَا السَّبَبِ فَعَلَى التَّاجِرِ الْمُسْلِمِ أَلَّا يَخْلِطَ الْبَضَائِعَ الْجَيِّدَةَ بِالرَّدِيئَةِ وَعَلَيْهِ أَنْ يُظْهِرَ عُيُوبَهَا.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

الْقَسَمُ كَذِبًا فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَغَيْرِهِ يُعَدُّ مِنْ الْكَبَائِرِ الْعَظِيمَةِ لِأَنَّهُ اسْتَخْدَمَ اسْمَ اللَّهِ فِيمَا حَرَّمَ طَمَعًا فِي مَصَالِحَ دُنْيَوِيَّةٍ. وَلَا يَجُوزُ عَلَى التَّاجِرِ أَنْ يَغُشَّ فِي الْكَيْلِ وَالْمِيزَانِ أَوْ أَنْ يَقُومَ بِالِاحْتِكَارِ. وَالِاحْتِكَارُ هُوَ حَبْسُ الْبِضَاعَةِ وَتَأْخِيرُ عَرْضِهَا عَلَى النَّاسِ فِي السُّوقِ، وَهَذَا يُؤَدِّي إِلَى رَفْعِ الْأَسْعَارِ وَيَضُرُّ السُّوقَ، وَهَذَا مِنْ الْأَفْعَالِ الْمُحَرَّمَةِ شَرْعًا. يَجِبُ عَلَى التَّاجِرِ أَنْ يُعَامِلَ زَبَائِنَهُ بِشَكْلٍ جَيِّدٍ. وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم:«رَحِمَ اللهُ عبدًا سَمْحًا إذا باعَ، سَمْحًا إذا اشْتَرى، سَمْحًا إذا قَضَى، سَمْحًا إذا اقْتَضَى»
 ‎ فَهَذَا دُعَاءٌ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ بِأَنْ يَرْزُقَ اللَّهُ رَحْمَةً لِمَنْ يَتَعَامَلُ بِاللِّينِ وَالسَّمَاحَةِ فِي بَيْعِهِ وَشِرَائِهِ.

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

الْمُزَايَدَةُ وَرَفْعُ الْأَسْعَارِ بِالتَّحَايُلِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةِ الشِّرَاءِ لَيْسَ مِنْ أَخْلَاقِ التِّجَارَةِ وَيُعَدُّ مِنْ الْمَكْرِ وَالْغِشِّ. فَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ عَنْ النَّجْشِ وَهُوَ أَنْ يَزِيدَ الرَّجُلُ فِي ثَمَنِ سِلْعَةٍ لَا يُرِيدُ شِرَاءَهَا ، وَإِنَّمَا لِيَخْدَعَ الْمُشْتَرِيَ الْحَقِيقِيَّ فَيَدْفَعَهُ إِلَى زِيَادَةِ السِّعْرِ ظَنًّا مِنْهُ أَنَّ هُنَاكَ مَنْ يُنَافِسُهُ حَيْثُ يَتَّفِقُ بَعْضُ النَّاسِ مَعَ الْبَائِعِ لِيُوهِمُوا الْمُشْتَرِيَ بِوُجُودِ رَغْبَةٍ فِي الشِّرَاءِ فَيَرْتَفِعُ الثَّمَنُ عَلَى الْمُشْتَرِي بِغَيْرِ حَقٍّ ، وَيُضْطَرُّ أَنْ يَدْفَعَ ثَمَنا أَعْلَى لِأَنَّهُ لَا يُرِيدُ أَنْ يَخْسَرَ الْمُنْتَجَ وَهَذَا يَحْدُثُ أَثْنَاءَ التَّفَاوُضِ أَوْ بَعْدَ انْتِهَاءِ الْعَقْدِ. وَهَذَا مِمَّا يُفْسِدُ الْعَلَاقَاتِ الْأَخَوِيَّةَ بَيْنَ النَّاسِ، وَيُنْشِئُ طَبَقَةً مِنْ الْمُرَابِينَ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ:«نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ النَجْشِ»وفي رواية:«لا يبيعُ الرجلُ على بيعِ أَخِيهِ، ولا يَسُومُ على سَوْمِ أَخِيهِ»

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

كَمَا هُوَ ظَاهِرٌ فَإِنَّ الْعِبَادَةَ فِي الْإِسْلَامِ لَا تَقْتَصِرُ عَلَى الصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ فَقَطْ، بَلْ تَشْمَلُ كُلَّ قَوْلٍ وَفِعْلٍ وَسُلُوكٍ يُرْضِي اللَّهَ تَعَالَى. فَرَفْعُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، أَوْ إِصْلَاحُ حُفْرَةٍ فِيهِ، أَوْ مُسَاعَدَةُ مَنْ لَا يَسْتَطِيعُ حَمْلَ مَتَاعِهِ، أَوْ إِعَانَةُ الْمَرْضَى وَكِبَارِ السِّنِّ وَذَوِي الِاحْتِيَاجَاتِ الْخَاصَّةِ فِي الرُّكُوبِ وَالنُّزُولِ، كُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ إِذَا نُوِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى. وَكَذَلِكَ كَسْبُ الرِّزْقِ مِنْ الْحَلَالِ، وَالِالْتِزَامُ بِالْمَبَادِئِ الْإِسْلَامِيَّةِ فِي الْمُعَامَلَاتِ التِّجَارِيَّةِ وَالِاقْتِصَادِيَّةِ، وَالْعَمَلُ وَفْقَ الضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، كُلُّ ذَلِكَ يُعَدُّ عِبَادَةً يُؤْجَرُ عَلَيْهَا الْمُسْلِمُ، إِذَا أَخْلَصَ النِّيَّةَ لِلَّهِ.

نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَظِيمَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ عِبَادِهِ الصَّادِقِينَ فِي تِجَارَتِهِمْ، وَالْمُتَخَلِّقِينَ بِالْأَخْلَاقِ الْحَمِيدَةِ فِي حَيَاتِهِمْ، السَّائِرِينَ عَلَى صِرَاطِهِ الْمُسْتَقِيمِ. آمِينَ.

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: أخلاق المسلم في التجارة

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com