خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: الاِعْتِبَارُ وَالاِتِّعَاظُ بِمَا يَجْرِي مِنْ الْأَحْدَاثِ

23.11.2023
Takke Tesbih Turuncu

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

يَعِيشُ بَنِي آدَمَ وَيَمُوتُ مَنْفِيًّا فِي مَكَانٍ، وَوَقْتٍ، وَعُمْرٍ مُحَدَّدٍ. إنَّ تَمَاسُّكَهُ بِالْحَيَاةِ الَّتِي بِدَاخِلِهِ قَوِيٌّ لِدَرَجَةٍ، يَعِيشُ وَكَأَنَّهُ لَن يَمُوتَ أَبَدًا، رَغْمَ أَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ حَيَاتَهُ سَتَنْتَهِي بِالْمَوْتِ يَوْمًا مَا، حَيْثُ إنَّ الْمَوْتَ هُوَ أَمْرٌ وَاقِعِيٌّ فِي الْحَيَاةِ وَهَاذِمُ اللَّذَّات. الْمَوْتُ هُوَ الطَّرِيقُ إلَى الْآخِرَةِ حَيْثُ إنَّهُ لَنْ يَكُونَ هُنَاكَ مَوْتٌ بَعْدَهَا. وَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّي اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “أَكْثِرُوا ذِكْرَ هَاذِمِ اللَّذَّاتِ.”

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

فَالْمُؤْمِنُ الوَاعِي؛ هُوَ مَنْ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَدَّخِرَ ثَمَرَاتِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مِنْ الدُّنْيَا الْفَانِيَةِ إلَى الْآخِرَةِ الْأَبَدِيَّةِ. هَؤُلاءِ الْمُؤْمِنُونَ هُم أَشْخَاصٌ يُمْكِنُهُم التَّفَكُّرُ وَالتَّدَبُّرُ، وَلَدَيْهِمْ بَصِيرَةٌ وَفِرَاسَةٌ. تُشِيرُ كَلِمَةُ “بَصِيرَة ” إلَى الْقُدْرَةِ عَلَى رُؤْيَةِ حَقَائِقِ الْأُمُورِ وَالنَّظَرِ فِي الْوَاقِعِ. بَيْنَمَا تُشِيرُ كَلِمَةُ “العِبْرَة” إلَى أَنْ تَكُونَ عَلَى دِرَايَةٍ وَحِكْمَةٍ مِنْ خِلَالِ النَّظَرِ إلَى مَا يَقَعُ مِنَ الْأَحْدَاثِ. قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ” مَا أَكْثَرَ الْعِبَرَ وأَقَلَّ الْاعْتِبَارَ “. وأكَّدَ سَعْدِي الشِّيرَازِيّ عَلَى أَهَمِّيَّةِ أَخْذِ الدَّرْسِ وَالْعِبْرَةِ قَائِلًا” عِنْدَمَا يَرَى طَائِرٌ طَائِرًا آخَرَ مُحَاصَرًا فَإِنَّهُ؛ لَا يَقْتَرِبُ إلَى الْحَبَّةِ. خُذِ الْعِبْرَةَ مِنْ أَخْطاءِ الآخَرِينَ حَتَّى لَا يَأْخُذُوا مِنْكَ العِبْرَةَ”

نَحْنُ نَرْضَى بِالْمَصَائِبِ وَالْبَلَاءِ والمَشَاكِلِ الَّتِي تَحْدُثُ لَنَا بِقَوْلِه تعالى ﴿إنا لِلَّهِ وَإِنَّا إلَيْهِ رَاجِعُونَ﴾. وَهذا يُعَبِّرُ أَيْضًا عَنْ السُّلُوكِ الَّذِي نَتَّخِذُهُ تُجَاهَ الْحَيَاةِ. وَهُنَا إشَارَةٌ إلَى ضَرُورَةِ الرُّجُوعِ إلَى اللَّهِ بَيْنَمَا نَحْنُ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ، وَتَصْحِيحِ مَسَارِنَا، وَطَلَبِ الْمَغْفِرَةِ.

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

نَسْأَلُ كُلَّ الْبَشَرِيَّةِ بِدُونِ تَفْرِقَةٍ؛ ألَا تُؤْذِينَا الْوَحْشِيَّةُ فِي فِلَسْطِينَ، وَقَتْلُ الْأَطْفَالِ، وَالنِّسَاءِ، وَالشُّيُوخِ؟ ألَا تُشَعِّلُ النَّارَ فِي قُلُوبِنَا؟ أَلَنْ يَكُونَ الزِّلْزَالُ الَّذِي حَدَثَ فِي تُرْكِيَا مُنْذُ فَتْرَةٍ، وَقُضِيَ عَلَى عَشَرَاتِ آلَافٍ مِنْ الْأَرْوَاحِ عِبْرَةً لَنَا؟ أَلَنْ تَقُولَ لَنَا الْحَرْبُ الَّتِي فِي سُورِيا مُنْذُ سَنَواتٍ، ومِئَاتُ آلَافٍ مِنْ الْقَتْلَى، والمَلايِينَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ أَيَّ شَيْءٍ؟ ألَا يَهُمُّنَا أَبَدًا مَشَاهِدُ الْأَطْفَالِ الَّذِينَ قُتِلُوا عَلى الشَّوَاطِئِ؟ هَل الإبَادَةُ الجَمَاعِيَّةُ الَّتِي حَدَثَتْ فِي تُرْكِسْتَان الشَّرْقِيَّةِ حَيْثُ كَانَ الْعَالَمُ أعْمَى وَأَصَمَّ لَن تَجْعَلَنَا نَتَسَاءَلُ عَنْ إنْسَانِيَّتِنَا؟ هَل سَنَنْسَى مَا حَدَثَ فِي لِيبِيَا وَالْمَغْرِبِ وأرَاكَان، وَنَقُولُ حَدَثَ وانْتَهَى الْأَمْرُ؟ وبآيَاتِ الْقُرْآنِ ألَا نَتَسَاءَلُ ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾. أَلَنْ نَسْأَلَ “أيْنَ نَحْنُ مِنْ الْإِنْسَانِيَّةِ عِنْدَمَا كَانَ هُنَاكَ الْكَثِيرُ مِنْ الْمَوْتِ والدَّمَارِ”؟

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

إذَا لَمْ تُسَاعِدْنَا كُلُّ هَذِهِ الْأَحْدَاثِ عَلَى اللُّجوءِ إلَى اللَّهِ، وَالاِبْتِعَادِ عَنْ الْكَلَامِ الْبَاطِلِ، وأن َنَعُودَ لِوَعْيِنَا، بِاخْتِصَارٍ إذَا لَمْ نَأْخُذْ الْعِبْرَةَ مِنْ هَذَا الْفِعْلِ فَمَاذَا سَيَحْدُثُ أَكْثَر؟ مَا الَّذِي يَجِبُ أَنْ نُوَاجِهَهُ أَكْثَرَ لِنَأْخُذَ الْعِبْرَةَ؟ كَمَا قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿اَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فٖٓي اَنْفُسِهِمْࣞ مَا خَلَقَ اللّٰهُ السَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَٓا اِلَّا بِالْحَقِّ وَاَجَلٍ مُسَمًّىؕ وَاِنَّ كَثٖيراً مِنَ النَّاسِ بِلِقَٓاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ﴾ وَهَذِهِ الْآيَةُ تُعَبِّرُ عَنْ حَالِ الْعَبْدِ الَّذِي لَمْ يَأْخُذْ الْعِبْرَةَ وَوَقَعَ فِي الْغَفْلَةِ. يَصِفُ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَالَ هَذَا الْعَبْدِ قَائِلًا: «…بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ سَهَا وَلَهَا وَنَسِىَ الْمَقَابِرَ وَالْبِلَى بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ عَتَا وَطَغَى وَنَسِىَ الْمُبْتَدَا وَالْمُنْتَهَى…»

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

نَحْنُ لَسْنَا أَوَّلَ وَلَا آخِرَ الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَعِيشُونَ فِي أَوْقَاتٍ صَعْبَةٍ. وَلَا يَنْبَغِي أَنْ تَقُودَنَا الْأَحْدَاثُ الْجَارِيَةُ إلَى الْيَأْسِ أَبَدًا. حَتَّى لَوْ كُنَّا عِبَادًا نَذْنُبُ وَنَخْطَأُ، لَا نَنْسَى أَنَّ لَنَا رَبًّا يُوصِينَا ألَّا نَيْأَسَ مِنْ رَحْمَتِهِ. سَوْفَ نَسْتَمِرُّ فِي الْوَفَاءِ بِمَسْؤُولِيَّاتِنَا بِالصَبْرِ، وَسَنَتَطَهَّرُ مِنْ الذُّنُوبِ عِنْدَ أَبْوَابِ التَّوْبَةِ، ونَسْتَمِرُّ فِي إدْرَاكِ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ. نَسْأَلُ اللَّهَ أنْ َلَا يُنْسِينَا أَنَّا عِبَادٌ وَإِنَّا رَاجِعُونَ حَتْمًا إلَيْهِ لِنُحَاسَبَ. وَأنْ يُثْبِتَنَا عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ الْمُؤْمِنِينَ الوَاعِينَ الَّذِينَ يَنْظُرُونَ لِلْحَيَاةِ بِالعِبْرَةِ، وَأنْ نَكُونَ عَلَى بَصِيرَةٍ. آمِين.

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: الاِعْتِبَارُ وَالاِتِّعَاظُ بِمَا يَجْرِي مِنْ الْأَحْدَاثِ

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com