خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: التعَاوُنُ والتَّضَامُنُ
20.06.2025
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
دِينُنَا الْإِسْلَامُ دِينُ التَّضَامُنِ وَالتَّعَاوُنِ. لَا يُوجَدُ أَيُّ دِينٍ رَكَّزَ عَلَى التَّعَاوُنِ مِثْلَ دِينِ الْإِسْلَامِ. يَأْمُرُنَا دِينُنَا أَنْ نُسَاعِدَ مَادِّيًّا وَمَعْنَوِيًّا إِخْوَانَنَا الْمُحْتَاجِينَ، وَالْأَيْتَامَ، وَالْمَسَاكِينَ الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُونَ تَلْبِيَةَ احْتِيَاجَاتِهِمْ.
لَا يُوجَدُ فِي الْإِسْلَامِ أَنَانِيَّةٌ؛ بَلْ أَقَامَ دِينُنَا الْأُخُوَّةَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. اَلْمُجْتَمَعُ اَلْإِسْلَامِيُّ كَالْبُنْيَانِ، مُتَرَابِطٌ وَمَتِينٌ، قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «المؤمن لِلْمؤْمن كالبُنْيان يَشُدُّ بَعْضُه بَعْضا، ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ قَالَ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى»
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
وَفِي حَدِيثٍ شَرِيفٍ يَقُولُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ صَدَقَةٌ…»، يُبَيِّنُ فِيهِ أَنَّ الصَّدَقَةَ لَيْسَتْ الْمَالَ فَقَطْ، بَلْ تَشْمَلُ كُلَّ عَمَلٍ صَالِحٍ يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ تَعَالَى، كَالسَّعْيِ فِي الْخَيْرِ، وَمُسَاعَدَةِ الْآخَرِينَ، وَالْمُسَاهَمَةِ فِي نَشْرِ الْمَعْرُوفِ وَمَنْعِ الْمُنْكَرِ، بَلْ إِنَّ مُجَرَّدَ كَفِّ الْأَذَى عَنْ النَّاسِ يُعَدُّ صَدَقَةً. فَمَفْهُومُ الصَّدَقَةِ فِي الْمُصْطَلَحِ الْإِسْلَامِيِّ يَشْمَلُ كُلَّ أَنْوَاعِ التَّعَاوُنِ وَالْمُسَاعَدَةِ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
الْمُؤَسَّسَاتُ الْخَيْرِيَّةُ وَالْأَوْقَافُ مِنْ أَهَمِّ أُسُسِ الْحَضَارَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ مُنْذُ عَصْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ أَسْهَمَتْ إِسْهَامًا كَبِيرًا فِي تَقْوِيَةِ بُنْيَانِ الْمُجْتَمَعِ الْإِسْلَامِيِّ عَلَى مَرِّ التَّارِيخِ. أُنْشِأَ الْعَدِيدُ مِنَ الْمُؤَسَّسَاتِ الْخَيْرِيَّةِ فِي الْبِلَادِ الْإِسْلَامِيَّةِ لِخِدْمَةِ كُلِّ مُحْتَاجٍ لِأَجْلِ رِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْعَمَلِ بِسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَمِنْ أَهَمِّ هَذِهِ الْمُؤَسَّسَاتِ مَوَائِدُ الرَّحْمَنِ، وَدَارُ الْمُسِنِّينَ، وَدَارُ الْأَيْتَامِ، وَالْمُسْتَشْفَيَاتُ وَغَيْرُهَا مِمَّا يَقُومُ بِمُسَاعَدَةٍ خَيْرِيَّةٍ. وَبِفَضْلِ هَذِهِ اَلْمُؤَسَّسَاتِ، وَبِمُسَاعَدَةِ الْأُخُوَّةِ تَمَّ تَوْفِيرُ مَأْكَلٍ وَمَلْبَسٍ وَمَأْوًى لِلْعَدِيدِ مِنْ اَلْمُحْتَاجِينَ، وَتَمَّ تَوْفِيرُ العِلَاجِ لِلْمَرْضَى، وَتَعْلِيمُ الشَّبَابِ الَّذِينَ لَمْ يَتَلَقَّوْا التَّعْلِيمَ.
لَمْ تَقْتَصِرْ الْمُؤَسَّسَاتُ فَقَطْ عَلَى خِدْمَةِ النَّاسِ، بَلْ سَاعَدَتِ الْحَيَوَانَاتِ وَالْبِيئَةَ، فَبُنِيَتْ الْمَسَاجِدُ، وَالْمَدَارِسُ، وَسُبُلُ الْمَاءِ. فَكَانَتْ هَذِهِ الْمُؤَسَّسَاتُ مَنَارَاتِ خَيْرٍ تَحْفَظُ ضَمِيرَ الْأُمَّةِ حَيًّا. هَذِهِ السُّنَّةُ الْعَظِيمَةُ يَجِبُ إِحْيَاءَهَا وَفَهْمُهَا جَيِّدًا، وَأَنْ نَقُومَ بِهَا وَنَدْعُوَ مَنْ حَوْلَنَا إِلَى فِعْلِهَا. لِأَنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَجِبُ أَنْ يُفَكِّرَ نَفْسَهُ وَمَصْلَحَتَهُ فَقَطْ، فَإِذَا أُصِيبُ الْمُسْلِمُ بِأَذًى يَجِبُ أَنْ يَشْعُرَ أَخُوهُ بِهَذَا الْأَلَمِ، فَإِنَّ دِينَنَا دِينُ الرَّحْمَةِ وَالتَّعَاوُنِ. إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَحْيَا بِهَمِّهِ فَقَطْ، بَلْ يَحْيَا بِهُمُومِ أُمَّتِهِ. فَإِذَا نَزَلَتْ قَطْرَةُ دَمٍ مِنْ إِصْبَعِ مُسْلِمٍ أُصِيبَ بِهَذَا قَلْبُ أَخِيهِ، وَيَشْعُرُ بِهَذَا الْأَلَمِ بِعُمْقٍ فَلَا يَسْتَطِيعُ السُّكُوتَ عَلَى هَذَا الْأَلَمِ أَوْ تَجَاهُلَهُ، لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ كَالْبُنْيَانِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَرَأْنَاهُ.
أَيْنَمَا كَانَ الْمَظْلُومُ، سَوَاءٌ كَانَ فِي الشَّرْقِ أَوْ فِي الْغَرْبِ أَوْ كَانَ قَرِيبًا أَوْ بَعِيدًا فَيَجِبُ أَنْ يَمُدَّ الْمُسْلِمُ إِلَيْهِ يَدَ الْعَوْنِ. فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَعَانَهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِدُعَائِهِ. وَلْنَخْتِمْ خُطْبَتَنَا بِالْآيَةِ الْكَرِيمَةِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا فِي بِدَايَةِ الْخُطْبَةِ، حيثُ يقولُ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﴿وَأَنفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ﴾.
نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الْمُتَسَابِقِينَ فِي الْخَيْرَاتِ، وَأَنْ يَعُمَّ بِرَحْمَتِهِ أُمَّتَنَا، وَأَنْ يَفُكَّ كَرْبَ اَلْمَظْلُومِينَ،
جُمْعَتُكُمْ مُبَارَكَةٌ، وَالسَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ.