خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: حقوق الجار

12.06.2025
Rahle Kur'an

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

إِنَّ دِينَنَا الْإِسْلَامَ وَضَعَ قَوَانِينَ فِي كُلِّ مَجَالٍ فِي حَيَاتِنَا الِاجْتِمَاعِيَّةِ كَمَا وَضَعَ فِي حَيَاتِنَا الدِّينِيَّةِ. وَكَمَا قَرَأْنَا فِي بِدَايَةِ الْخُطْبَةِ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَاعْبُدُوا اللّٰهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهٖ شَيْـًٔا وَبِالْوَالِدَيْنِ اِحْسَانًا وَبِذِى الْقُرْبٰى وَالْيَتَامٰى وَالْمَسَاكٖينِ وَالْجَارِ ذِى الْقُرْبٰى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبٖيلِۙ وَمَا مَلَكَتْ اَيْمَانُكُمْۜ اِنَّ اللّٰهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًاۙ﴾ وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ يَذْكُرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بَعْدَ أَمْرِ الْعِبَادَةِ أَهْلَ الْفَضْلِ وَالْحَقِّ مِنْ الْأَقْرَبِينَ وَالْمُحْتَاجِينَ. ذَكَرَ اللَّهُ كَلِمَةَ الْجَارِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى مَنْ يَسْكُنُ بِالْقُرْبِ مِنْكَ أَوْ أَيِّ مَكَانٍ مُجَاوِرٍ. وَكَمَا لِلْجَارِ عَلَيْكَ حُقُوقٌ وَوَاجِبَاتٌ فَإِنَّ لِعَلَاقَةِ الْجِيرَةِ أَهَمِّيَّةً كَبِيرَةً فِي تَعْزِيزِ التَّكَافُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ وَلِسَعَادَةِ وَأَمَانِ الْأُسَرِ. الْعَلَاقَةُ الْحَسَنَةُ بَيْنَ الْجِيرَانِ تُشَجِّعُ عَلَى مُشَارَكَةِ الْفَرَحِ وَالسُّرُورِ، وَتَقْلِيلِ الْحُزْنِ وَالْمِحَنِ. وَمَا أَفْضَلَ مَا قَالَهُ أَسْلَافُنَا “اشْتَرِ الْجَارَ قَبْلَ الدَّارِ” فَهِيَ عِبَارَةٌ بَلِيغَةٌ تُؤَكِّدُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ اخْتِيَارِ الْجِيرَانِ قَبْلَ اخْتِيَارِ الْمَنْزِلِ.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

لَقَدْ أَعْطَى نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهَمِّيَّةً عَظِيمَةً فِي الْمُحَافَظَةِ عَلَى عَلَاقَاتٍ طَيِّبَةٍ مَعَ الْجِيرَانِ، كَمَا أَوْصَى بِاجْتِنَابِ كُلِّ قَوْلٍ وَفِعْلٍ قَدْ يُؤَدِّيهِمْ أَوْ يُسَبِّبُ لَهُمْ أَيَّ إِزْعَاجٍ وَضِيقٍ. ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ مَنْ يَصْبِرُ عَلَى أَذَى جَارِهِ فَهُوَ مِنْ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ يُحِبُّهُمْ اللَّهُ. لِأَنَّ الْإِنْسَانَ كَمَا يُبْتَلَى بِمَالِهِ أَوْ بِأَهْلِهِ أَوْ بِوَلَدِهِ وَكَذَلِكَ بِجَارِهِ. وَبَيَّنَ النَّبِيُّ الْكَرِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْجَارَ الْقَرِيبَ أَوْلَى بِالْبِرِّ مِنْ غَيْرِهِ، فَقَدْ سَأَلَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: “ي يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ لي جَارَيْنِ فَإِلَى أيِّهِما أُهْدِي؟ قالَ: إلى أقْرَبِهِما مِنْكِ بَابًا.”، وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى عِظَمِ حَقِّ الْجَارِ وَوُجُوبِ مُرَاعَاةِ قُرْبِهِ.

إِنَّ جِيرَانَنَا هُمْ أَكْثَرُ نَاسٍ نَرَاهُمْ وَأَقْرَبُ إِلَيْنَا بَعْدَ أَهْلِ بَيْتِنَا، بَلْ هُمْ أَقْرَبُ إِلَيْنَا مِنْ أَقَارِبِنَا. وَلِذَلِكَ لَقَدْ حَثَّ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ وَالسُّنَّةُ النَّبَوِيَّةُ عَلَى أَهَمِّيَّةِ حُسْنِ مُعَامَلَةِ الْجَارِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خيْرُ الْأَصْحابِ عِنْد اللهِ خيْرُهُم لِصَاحِبِه، وخيْرُ الجيرانِ عنْدَ اللهِ خيْرُهُم لِجارِه». وَلَكِنْ لِلْأَسَفِ فِي زَمَانِنَا هَذَا وَخَاصَّةً فِي الْمُدُنِ الْكَبِيرَةِ ضَعُفَتْ الْعَلَاقَاتُ بَيْنَ الْجِيرَانِ. فَقَدْ نَعِيشُ فِي نَفْسِ الْمَبْنَى وَلَا نَدْرِي حَالَ بَعْضِنَا الْبَعْضِ حَتَّى يَمُوتُ الْجَارُ وَلَا يَعْلَمُ أَحَدٌ مِنْ جِيرَانِهِ. وَرُبَّمَا نَلْتَقِي فِي الْمِصْعَدِ وَلَا نَسْأَلُ عَنْ حَالِ بَعْضِنَا. مَعَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَيْس بمُؤْمِنٍ مَنْ بَات شَبْعَان وجارُه إلى جنبِه جائعٌ وهو يَعْلمُ»، فَبَيَّنَ أَنَّ كَمَالَ الْإِيمَانِ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِمُرَاعَاةِ حُقُوقِ الْجَارِ وَالِاهْتِمَامِ بِشُؤُونِهِ.

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

إِنَّ وَصِيَّةَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِحُقُوقِ الْجَارِ حَدَّدَتْ لَنَا شَكْلَ الْعَلَاقَةِ مَعَ الْجَارِ وَلَمْ تُحْصِ كُلَّ الْحُقُوقِ، بَلْ رَكَّزَتْ وَصَايَاهُ عَلَى أَهَمِّهَا وَأَعْظَمِهَا. وَهَذِهِ الْوَصَايَا لَا تَقْتَصِرُ فَقَطْ عَلَى الْجِيرَانِ، بَلْ عَلَى كُلِّ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ. لِأَنَّ فِي مُجْتَمَعِنَا يَعِيشُ مَعَنَا جِيرَانٌ مِنْ مُخْتَلِفِ الْأَدْيَانِ. وَدِينُنَا يَأْمُرُنَا بِالرَّحْمَةِ وَالْعَدْلِ وَحُسْنِ الْخُلُقِ مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ. وَالْجِيرَةُ مَسْؤُولِيَّةٌ عَلَيْنَا جَمِيعًا وَلِكُلِّ النَّاسِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ الدِّينِ وَالْهُوِيَّةِ. وَلِهَذَا يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَتَعَامَلَ مَعَ جِيرَانِنَا مِنْ مُخْتَلِفِ الْأَدْيَانِ بِوَجْهٍ بَشُوشٍ وَكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ، وَنُسَاعِدَهُمْ عِنْدَ الْحَاجَةِ، وَنُشَارِكَهُمْ أَوْقَاتَ الْفَرَحِ وَالْحُزْنِ. إِنَّ السَّلَامَ وَالْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ وَالِابْتِسَامَةَ الصَّادِقَةَ تُلِينُ الْقُلُوبَ وَتُقَرِّبُ النُّفُوسَ إلَى بَعْضِهَا الْبَعْض. وَلِهَذَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ فَيَشْهَدُ لَهُ ثَلَاثَةُ أَهْلِ أَبْيَاتٍ مِنْ جِيرَانِهِ الْأَدْنَيْنَ بِخَيْرٍ، إِلَّا قَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: قَدْ قَبِلْتُ شَهَادَةَ عِبَادِي عَلَى مَا عَلِمُوا، وَغَفَرْتُ لَهُ مَا أَعْلَمُ».

فَاللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ الَّذِينَ يُحْسِنُونَ إِلَى جِيرَانِهِمْ، وَيَنْشُرُونَ اَلْأَمْنَ وَالسَّكِينَةَََََ فِي مُجْتَمَعِهِمْ، وَاجْعَلْنَا سَبَبًا فِي الْخَيْرِ وَالصَّلَاحِ.

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: حقوق الجار

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com