خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: قيمة الزمان واستغلاله

27.06.2025
Minber Ahşap

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

الْوَقْتُ مِنْ أَجَلِّ النِّعَمِ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَى عِبَادِهِ، فَالْوَقْتُ هُوَ الْحَيَاةُ. الْوَقْتُ يُقْضَى بِهِ أَعْمَارُ كُلِّ الْمَخْلُوقَاتِ الَّتِي خَلَقَهَا اللَّهُ. وَهُوَ أَعْظَمُ كَنْزٍ لَدَى الْأُنْسَانِ، الَّذِي لَا يُعَوَّضُ بِشَيْءٍ. كُلُّ شَيْءٍ يَكُونُ وَيَتَطَوَّرُ وَيَزُولُ بِالْوَقْتِ. وَكُلُّ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ، وَالْفُرَصِ، وَالْإِمْكَانِيَّاتِ الَّتِي تَجْعَلُ الِانِّسَانَ يَفُوزُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تُكْتَسَبُ مَعَ الْوَقْتِ. أقْسَمَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَعْضِ السُّوَرِ بِالْوَقْتِ تَنْبِيهًا لِعِبَادِهِ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْوَقْتِ فَقَالَ: “وَالْفَجْرِ”، “وَالضُّحَى” “وَاللَّيْلِ”، “وَالصُّبْحِ” وَأَرْكَانُ الْإِسْلَامِ كَالصَّلَاةِ وَالصِّيَامِ وَالزَّكَاةِ وَالْحَجِّ مُرْتَبِطَةٌ بِأَوْقَاتٍ مُحَدَّدَةٍ وَهَذَا زِيَادَةٌ فِي التَّأْكِيدِ عَلَى أَهَمِّيَّةِ اسْتِثْمَارِ الْوَقْتِ.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يُدْرِكَ قِيمَةَ الْوَقْتِ وَيَسْتَغِلَّ كُلَّ لَحْظَةٍ فِيمَا يَنْفَعُهُ. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانصَبْ) وَالْآيَةُ تُوَجِّهُ النَّبِيَّ ﷺ إِلَى عَدَمِ إِضَاعَةِ الْوَقْتِ، فَإِذَا فَرَغَ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ أَوْ مُهِمَّةٍ، فَلْيَتَوَجَّهْ إِلَى أُخْرَى، وَيَفْهَمْ مِنْهَا الْحَثَّ عَلَى الِاجْتِهَادِ الدَّائِمِ فِي الطَّاعَةِ وَعَدَمِ الرُّكُونِ إِلَى الْكَسَلِ أَوِ الْفَرَاغِ. وَقَدْ نَبَّهَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى أَهَمِّيَّةِ الْوَقْتِ فِي حَيَاةِ الْإِنْسَانِ، فَقَالَ: «اغْتَنِمْ خَمْسًا قبلَ خَمْسٍ: شبابَكَ قبلَ هَرَمِكَ، وصِحَّتَكَ قبلَ سَقَمِكَ، وغِناءكَ قبلَ فَقْرِكَ، وفَراغَكَ قبلَ شُغلِكَ، وحياتَكَ قبلَ موتِكَ» وَلَا نَنْسَ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ الْأُمُورِ إِذَا فُقِدَتْ يُمْكِنُ تَعْوِيضُهَا؛ فَالْمَالُ نَسْتَطِيعُ أَنْ نَكْسِبَهُ إِذَا فَقَدْنَاهُ، وَالْمُمْتَلَكَاتُ يُمْكِنُ اَلْحُصُولُ عَلَيْهَا مَعَ اَلْوَقْتِ، لَكِنَّ الْوَقْتَ الَّذِي نَفْقِدُهُ وَالْعُمْرَ الَّذِي يُقْضَى فِي غَيْرِ طَاعَةِ اللَّهِ وَرِضَاهُ لَا يُمْكِنُ اسْتِعَادَتُهُ. لِذَلِكَ يَنْبَغِي عَلَيْنَا أَنْ نَعْرِفَ قِيمَةَ الْوَقْتِ الَّذِي أَنْعَمَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا. يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَسْتَثْمِرَ كُلَّ لَحْظَةٍ مِنْ حَيَاتِنَا فِيمَا يَنْفَعُ دُنْيَانَا وَآخِرَتَنَا، وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ َنُحْسِنَ التَّخْطِيطَ فِي كُلِّ أُمُورِ حَيَاتِنَا لِنَسْتَغِلَّ وَقْتَنَا. إِنَّ مَنْ لَا يُحْسِنُ اسْتِغْلَالَ وَقْتِهِ فَإِنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ تَأْدِيَةَ عِبَادَتِهِ فِي الْوَقْتِ عَلَى أَكْمَلِ وَجْهٍ، وَلَا يَسْتَطِيعُ إِنْهَاءَ أَعْمَالِهِ فِي الْوَقْتِ الْمُحَدَّدِ، وَلَا يَفِي بِوَعْودِهِ، وَبِذَلِكَ يَقَعُ فِي الْحَرَجِ أَمَامَ النَّاسِ. وَقَدْ كَانَ سَلَفُنَا الصَّالِحُ خَيْرَ مِثَالٍ فِي حُسْنِ اسْتِثْمَارِ الْوَقْتِ وَعَدَمِ إِهْدَارِهِ فِيمَا لَا يَنْفَعُ، فَقَدْ كَانَ مِنْ عَادَتِهِمْ الْقِيَامُ مُبَكِّرًا، وَخِلَالَ فَتْرَةِ حَيَاتِهِمْ الْقَصِيرَةِ كَانُوا قُدْوَةً بِإِثْرِهِمْ الْحَسَنِ وَأَعْمَالِهِمْ الْمُثْمِرَةِ الَّتِي لَا تَكْفِي لِفِعْلِهَا أَعْمَارٌ كَثِيرَةٌ.

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

إِنَّ مَنْ لَا يُهْدِرُ وَقْتَهُ وَيُحْسِنُ اسْتِغْلَالَهُ كَمَا يَنْبَغِي يَنَالُ السَّعَادَةَ وَالْفَلَاحَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. وَقَدْ نَبَّهَنَا النَّبِيُّ الْكَرِيمُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى قِيمَةِ الْوَقْتِ وَالصِّحَّةِ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الَّذِي بَدَأْنَا بِهِ خُطْبَتَنَا، حَيْثُ قَالَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»

يَنْبَغِي أَنْ نَعْرِفَ قِيمَةَ الْوَقْتِ وَلَا نُهْدِرَهُ فِيمَا لَا يَنْفَعُنَا، وَيَنْبَغِي أَنْ نَسْتَثْمِرَ وَقْتَنَا فِيمَا يُرْضِي اللَّهَ. هَا نَحْنُ الْيَوْمَ فِي الثَّانِي مِنْ شَهْرِ مُحَرَّمٍ لِعَامِ ألفٍ وأرْبع مائةٍ سَبْعَة وأرْبَعِينَ ١٤٤٧ ه. الْوَقْتُ يَمُرُّ سَرِيعًا وَكُلُّ يَوْمٍ يُقَرِّبُنَا مِنْ الْآخِرَةِ الَّتِي لَا عَوْدَةَ مِنْهَا. نُودِّعُ عَامًا هِجْرِيًّا جَدِيدًا، وَنَسْتَقْبِلُ عَامًا جَدِيدًا. وَإِنَّ شَهْرَ المُحَرَّمِ مِنْ الْأَشْهُرِ الْمُبَارَكَةِ، فَقَدْ شَهِدَ شَهْرُ المُحَرَّمٍ أَحْدَاثًا دِينِيَّةً وَاجْتِمَاعِيَّةً وَتَارِيخِيَّةً. وَكَلِمَةُ مُحَرَّمٍ تَعْنِي الْمُحَرَّمَ انْتِهَاكُهُ، فَهُوَ شَهْرٌ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ، فَلْنَجْتَهِدْ فِي اغْتِنَامِهِ. وَأَخْتِمُ خُطْبَتِي بِالسُّورَةِ الَّتِي قَرَئْتُهَا فِي بِدَايَةِ الْخُطْبَةِ: ﴿وَالْعَصْرِ، إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ، وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾

نَسْأَلُ اللَّهَ الْعَلِيَّ الْقَدِيرَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ اَلَّذِينَ يُقَدِّرُونَ قِيمَةَ الزَّمَانِ، وَيَقْضُونَ أَوْقَاتَهُمْ فِي طَاعَتِهِ وَمَرْضَاةِ الرَّحْمَنِ.

 جُمْعَتُكُمْ مُبَارَكَةٌ، وَكُلُّ عَامٍ هِجْرِيٍّ وَأَنْتُمْ بِخَيْرٍ.

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: قيمة الزمان واستغلاله

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com