خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة ١٠/١٠/٢٠٢٥– خُلُقُ الْإِيثَارِ

10.10.2025
Kur'an Sayfası Tesbih Ahşap

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

حَدِيثُنَا الْيَوْمَ عَنْ خُلُقٍ عَظِيمٍ، وَهُوَ مِنْ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْجُودِ وَالْكَرَمِ. إِنَّهُ خُلُقُ الْإِيثَارِ. الْإِيثَارُ هُوَ تَقْدِيمُ الْغَيْرِ عَلَى النَّفْسِ وَتَفْضِيلُهُ عَلَيْهَا. وَفِي الشَّرْعِ فَهُوَ أَنْ يُعْطِيَ الْإِنْسَانُ مَا يَمْلِكُ لِأَخِيهِ، حَتَّى لَوْ كَانَ هُوَ فِي أَمَسِّ الْحَاجَةِ إليْه. الْإِيثَارُ هُوَ أَعْلَى دَرَجَاتِ الْكَرَمِ، هُوَ لَيْسَ مُجَرَّدَ إِعْطَاءِ شَيْءٍ لِلْآخَرِ، بَلْ هُوَ خُلُقٌ يُظْهِرُ الْأُخُوَّةَ وَالْإِيمَانَ. وَقَدْ مَدَحَ اللَّهُ هَذَا الْخُلُقَ الْعَظِيمَ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ فَقَالَ: ﴿وَيُؤْثِرُونَ عَلٰٓى اَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌؕ﴾ وَقَدْ بَيَّنَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ ﷺ مَكَانَةَ هَذَا الْخُلُقِ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»

 

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

نَرَى أَجْمَلَ نَمَاذِجَ لِلْإِيثَارِ فِي حَيَاةِ نَبِيِّنَا وَصَحَابَتِهِ. لَمْ يُسْمَعْ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ كَلِمَةُ “لَا” إِذَا طُلِبَ مِنْهُ شَيْءٌ. وَمِنْ أَعْظَمِ صُوَرِ الْإِيثَارِ أَنَّهُ أُهْدِيَ إِلَيْهِ ثَوْبٌ وَكَانَ فِي حَاجَةٍ إِلَيْهِ، وَمَعَ ذَلِكَ أَعْطَاهُ أَحَدَ الصَّحَابَةِ الَّذِي طَلَبَهُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ مَوْقِفُ الْأَنْصَارِ الَّذِينَ فَتَحُوا بُيُوتَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ لِلْمُهَاجِرِينَ، وَقَوْلُ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ:“ فَأقْسِم مَالِي نِصْفَيْنِ” وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى حُبِّهِمْ لِلْغَيْرِ وَإِيثَارِهِمْ. وَمِنْ أَعْظَمِ صُوَرِ الْإِيثَارِ أَيْضًا مَا فَعَلَهُ أَبُو طَلْحَةَ الْأَنْصَارِيُّ وَزَوْجَتُهُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا حِينَ قَدَّمَا طَعَامَهُمَا الْقَلِيلَ ضَيْفَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَبَاتَا جَائِعَيْنِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ آيَةً تُبَيِّنُ عَظَمَةَ قَدْرِ الْإِيثَارِ عِنْدَهُ سُبْحَانَهُ.

 وَكَذَلِكَ مَا جَرَى فِي مَعْرَكَةِ الْيَرْمُوكِ حِينَ جُرِحَ ثَلَاثَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَهُمْ فِي شِدَّةِ الْعَطَشِ، وَكُلٌّ مِنْهُمْ طَلَبَ أَنْ يُسْقِيَ أَخَاهُ قَبْلَهُ حَتَّى فَاضَتْ أَرْوَاحُهُمْ دُونَ أَنْ يَشْرَبَ أَحَدُهُمْ الْمَاءَ، وَفِي أُحُدٍ جَعَلَ أَبُو طَلْحَةَ جَسَدَهُ دِرْعًا يَقِي بِهِ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، وَقَدَّمَ أَبُو بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مَالَهُ كُلَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَقَدَّمَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نِصْفَ مَالِهِ. كُلُّ هَذِهِ الْمَوَاقِفِ الْعَظِيمَةِ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْإِيثَارَ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمَالِ فَحَسْبُ، بَلْ يَشْمَلُ الصَّبْرَ، وَالْجُهْدَ، وَالْمَحَبَّةَ، بَلْ وَالنَّفْسَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَهُوَ خُلُقٌ عَظِيمٌ لَا يَقُومُ بِهِ إِلَّا مَنْ امْتَلَأَ قَلْبُهُ بِالْإِيمَانِ وَالْيَقِينِ.

 

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

نَحْنُ فِي زَمَنٍ طَغِيَ فِيهِ حُبُّ الذَّاتِ، وَانْتَشَرَ فِيهِ التَّعَلُّقُ بِالدُّنْيَا، فَأَصْبَحَ الْإِنْسَانُ يُفَكِّرُ نَفْسَهُ فَقَطْ وَلَا يُفَكِّرُ مَصْلَحَةَ الْآخَرِينَ. فَانْتَشَرَتْ الْأَنَانِيَّةُ، وَضَاعَتْ رُوحُ التَّعَاوُنِ، وَابْتَعَدْنَا عَنْ مَعَانِي الْأُخُوَّةِ وَالرَّحْمَةِ الَّتِي أَمَرَنَا بِهَا الْإِسْلَامُ. وَمَعَ مَا يُعَانِيهِ الْعَالَمُ مِنْ أَزَمَاتٍ اقْتِصَادِيَّةٍ، وَكَوَارِثَ وَأَوْبِئَةٍ، وَحُرُوبٍ وَنُزُوحٍ وَتَشْرِيدٍ، نَجِدُ أَنَّ الْحَاجَةَ الْيَوْمَ شَدِيدَةٌ إِلَى إِحْيَاءِ خُلُقٍ نَبِيلٍ غَابَ عَنْ كَثِيرٍ مِنْ الْقُلُوبِ، أَلَا وَهُوَ الْإِيثَارُ.

 إِنَّ الْإِيثَارَ يُطَهِّرُ الْقُلُوبَ مِنْ الْبُخْلِ وَالطَّمَعِ، وَيُنَمِّي فِيهَا رُوحَ الْعَطَاءِ وَالْمُشَارَكَةِ، وَيُقَوِّي رَوَابِطَ الْأُخُوَّةِ وَالْمَحَبَّةِ بَيْنَ النَّاسِ. فَهُوَ يَزْرَعُ السَّكِينَةَ فِي الْأُسْرَةِ، وَيَبْعَثُ رُوحَ التَّعَاوُنِ فِي الْمُجْتَمَعِ، وَيُرَسِّخُ الثِّقَةَ وَالْأَمَانَ فِي الْأُمَّةِ، وَيُعَزِّزُ الِاحْتِرَامَ الْمُتَبَادِلَ بَيْنَ الْبَشَرِ كَافَّةً.

 

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

وَاجِبُنَا الْيَوْمَ أَنْ نَغْرِسَ خُلُقَ الْإِيثَارِ فِي حَيَاتِنَا الْيَوْمِيَّةِ. مِنْ صُوَرِ الْإِيثَارِ أَنْ نُعْطِيَ جُزْءً مِنْ مَالِنَا لِلْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ، وَأَنْ نُشَارِكَ جِيرَانَنَا طَعَامَنَا وَشَرَابَنَا، وَأَنْ نَدْعَمَ وَنُسَاهِمَ فِي الْأَعْمَالِ الْخَيْرِيَّةِ. وَمِنْ الْإِيثَارِ أَيْضًا أَنْ نُشَارِكَ عَمَلَنَا وَوَقْتَنَا مَعَ الْآخَرِينَ، وَأَنْ نَزُورَ الْمَرْضَى وَنَرْعَيَ كِبَارَ السِّنِّ، وَنُشَارِكَ فِي الْأَعْمَالِ التَّطَوُّعِيَّةِ، وَأَنْ نُشَارِكَ خِبْرَاتِنَا مَعَ الشَّبَابِ وَنُعِينَ إِخْوَانَنَا عَلَى الْخَيْرِ، حَتَّى فِي أَصْغَرِ الْأُمُورِ كَإِفْسَاحِ الطَّرِيقِ لِلْغَيْرِ، وَالسَّمَاحِ لِلْآخَرِ بِأَخْذِ دَوْرِكَ، وَمُرَاعَاةِ زُمَلَائِنَا فِي الْعَمَلِ، وَاحْتِرَامِ حُقُوقِ النَّاسِ فِي التَّعَامُلِ.

 

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

الْإِيثَارُ خُلُقٌ عَظِيمٌ يَدُلُّ عَلَى كَمَالِ الْإِيمَانِ. وَهُوَ أَنْ تُفَضِّلَ غَيْرَكَ فِي مَالِكَ وَوَقْتِكَ وَعِلْمِكَ وَمَشَاعِرِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا رِيَاءَ وَلَا سُمْعَةَ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «خَيْرُ النَّاسِ أَنْفَعُهُمْ لِلنَّاسِ» إِذَا شَعَرَ الْإِنْسَانُ بِأَلَمٍ فَهُوَ حَيٌّ وَإِذَا اسْتَطَاعَ أَنْ يَشْعُرَ بِأَلَمِ الْآخَرِينَ فَهُوَ إِنْسَانٌ. انْظُرُوا إِلَى نُشَطَاءِ أُسْطُولِ الصُّمُودِ الَّذِينَ ضَحُّوا فِي سَبِيلِ الْحَقِّ، وَوَقَفُوا بِوَجْهِ الظُّلْمِ وَالطُّغْيَانِ، لَمْ يَقُولُوا كَمَا يَقُولُ اللَّامُبَالُونَ: “مَا شَأْنِي؟”، بَلْ قَالُوا: “هَذَا وَاجِبِي”. هَؤُلَاءِ هُمْ أَهْلُ الْإِيثَارِ بِالرُّوحِ وَالنَّفْسِ، الَّذِينَ قَدَّمُوا أَنْفُسَهُمْ فِدَاءً لِقِيَمِ الْعَدْلِ وَالْكَرَامَةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ. فَلْنَتَحَرَّكْ وَلْنَغْرِسْ قِيَمَ وَأَخْلَاقَ النَّبِيِّ فِي بُيُوتِنَا وَمُجْتَمَعَاتِنَا، وَلْنَتَذَكَّرْ أَنَّ فِي شَرِيعَتِنَا الْإِسْلَامِيَّةِ الْإِنْسَانَ لَا يَعِيشُ لِنَفْسِهِ فَقَطْ، بَلْ لِأَخِيهِ أَيْضًا. فَفِي دِينِنَا لَا يُوجَدُ أَنَانِيَّةٌ، بَلْ تَعَاوُنٌ وَإِيثَارٌ. اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا نَيْلَ الْخَيْرِ بِبَذْلِ مَا نُحِبُّ وَأَغْرِسْ فِي قُلُوبِنَا حُبَّ الْإِيثَارِ

خُطبة – بالعربية

خُطبة – بالتركية

خُطبة – بالألمانية

خُطبةبالإنجليزية

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com