خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة ٤/ ٧/٢٠٢٥– اليوم العاشر من شهر المحرم

04.07.2025
Mimber Lambalar

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

غَدًا بِإِذْنِ اللَّهِ نُدْرِكُ يَوْمَ عَاشُورَاءَ، الْيَوْمَ الْعَاشِرَ مِنْ شَهْرِ مُحَرَّمٍ لِعَامِ ١٤٤٧ه أَلْفٍ أَرْبَعٌ مِائَةٍ سَبْعَةٍ وَأَرْبَعِينَ. شَهْرُ مُحَرَّمٍ مِنْ الْأَشْهُرِ الْأَرْبَعَةِ الْحُرُمِ وَالشَّهْرُ الَّذِي حَرَّمَ اللَّهُ فِيهِ الْقِتَالَ. وَقَدْ وَصَفَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هَذَا الشَّهْرَ بِقَوْلِهِ “شَهْرُ اللَّهِ الْمُحَرَّمُ” وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَضْلِ هَذَا الشَّهْرِ وَبَرَكَتِهِ. لَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَضْلَ ذَلِكَ الشَّهْرِ الْمُبَارَكِ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ بِقَوْلِهِ: ﴿اِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّٰهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فٖي كِتَابِ اللّٰهِ يَوْمَ خَلَقَالسَّمٰوَاتِ وَالْاَرْضَ مِنْهَٓا اَرْبَعَةٌ حُرُمٌؕ ذٰلِكَ الدّٖينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فٖيهِنَّ اَنْفُسَكُم﴾ وَبَيَّنَ رَسُولُنَا الْكَرِيمُ فَضَّلَ هَذَا الشَّهْرِ بِقَوْلِهِ. «أَفْضَلُ الصِّيامِ، بَعْدَ رَمَضانَ، شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وأَفْضَلُ الصَّلاةِ، بَعْدَ الفَرِيضَةِ، صَلاةُ اللَّيْلِ» وَأَرْشَدَنَا إِلَى مَا يَجِبُ أَنْ نَعْمَلَهُ فِي هَذَا الشَّهْرِ.

شَهْرُ مُحَرَّمٍ يُمَثِّلُ وَقْتًا عَظِيمًا فِي تَارِيخِ الْإِسْلَامِ حَيْثُ وَقَعَتْ فِيهِ أَحْدَاثٌ مُهِمَّةٌ، وَمِنْ أَهَمِّهَا؛ مَعْرَكَةُ الْكَرْبَلَاءِ الَّتِي كَانَتْ أَشَدَّ أَلَمًا عَلَى قُلُوبِ الْمُسْلِمِينَ. فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ، اسْتُشْهِدَ سِبْطُ النَّبِيِّ ﷺ، قُرَّةُ عَيْنِهِ وَأَحَدُ حَفِيدَيْهِ الحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَيْثُ قَالَ عَنْهُمَا ﷺ: إنَّ الحسنَ والحُسَيْنَ هما رَيحانتايَ منَ الدُّنيا، وقال: الحسَنُ والحُسَيْنُ سيِّدا شبابِ أهلِ الجنَّةِ.

الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، وَمَعَهُ أَكْثَرُ مِنْ سَبْعِينَ نَفْسًا فِي أَهْلِ بَيْتِهِ وَأَصْحَابِهِ، اسْتُشْهِدُوا فِي مَشْهَدٍ مُؤْلِمٍ مَا زَالَ يُدْمِي الْقُلُوبَ وَيَذْرِفُ لَهُ الدَّمْعُ. إِنَّ كَرْبَلَاءَ لَيْسَتْ حَادِثَةً تَارِيخِيَّةً عَابِرَةً، بَلْ هِيَ جُرْحٌ فِي قَلْبِ الْأُمَّةِ، وَأَلَمُ كُلِّ مُسْلِمٍ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمُحِبٍّ لَهُ وَلِصَحَابَتِهِ وَلِأَهْلِ بَيْتِهِ وَمَهْمَا كَانَ مَذْهَبُهُ.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

إنَّ مَعْرَكَةَ الْكَرْبَلَاءِ الَّتِي نَتَذَكَّرُهَا الْيَوْمَ لَيْسَ مُجَرَّدَ ذِكْرَى مَضَتْ وَانْتَهَتْ، بَلْ هِيَ قَضِيَّةٌ تَتَجَدَّدُ فِي وَاقِعِنَا الْيَوْمَ فِي أَمَاكِنَ كَثِيرَةٍ فِي الْعَالَمِ. نَرَى فِي فِلَسْطِينَ أَطْفَالًا وَنِسَاءً يُعَانُونَ مِنَ الْجُوعِ وَالْعَطَشِ، وَهَذَا يُذَكِّرُنَا بِأَبْنَاءِ الْحُسَيْن الَّذِينَ مُنِعُوا مِنْ الْمَاءِ وَعُذِّبُوا بِلَا رَحْمَةٍ. نَرَى فِي سُورْيَا بُيُوتًا تُهْدَمُ، وَمُدُنًا تُهْجَرُ، وَهَذَا يُذَكِّرُنَا بِأَلَمِ هِجْرَةِ وهَدْمِ الْعَائِلَاتِ فِي مَعْرَكَةِ الْكَرْبَلَاءِ. وَالَّذِينَ يَتَضَرَّعُونَ مِنْ الْجُوعِ فِي الْيَمَنِ، وَالَّذِينَ مُنِعُوا مِنْ مُمَارَسَةِ هُوِيَّتِهِمْ وَمُعْتَقَدَاتِهِمْ فِي تِرْكِسْتَانَ الشَّرْقِيَّةِ، وَكَأَنَّ نَفْسَ الْمَشْهَدِ الَّذِي حَدَثَ فِي مَعْرَكَةِ الْكَرْبَلَاءِ يَتَكَرَّرُ أَمَامَ أَعْيُنِنَا. تَشْهَدُ الْأَرْضُ مَظَالِمًا وَحُرُوبًا تُُظْهِرُ لنَا أَنَّ مَعْرَكَةَ الْكَرْبَلَاءِ مَازَالَتْ مُسْتَمِرَّةً بِصُوَرٍ مُتَعَدِّدَةٍ.

عَلَيْنَا أَنْ نَتَذَكَّرَ هَذِهِ الْمَعْرَكَةَ بِالْوَعْيِ وَالْمَسْؤُولِيَّةِ وَلَيْسَ فَقَطْ بِالْحُزْنِ. كَمَا ثَبَّتَ الْحُسَيْنُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَمَامَ الظُّلْمِ وَالطُّغْيَانِ يَنْبَغِي عَلَيْنَا نَحْنُ أَيْضًا أَنْ نُثَبِّتَ فِي وَجْهِ الظُّلْمِ، وَأَنْ نَكُونَ مُتَّحِدِينَ مُتَعَاوِنِينَ. حُزْنُنَا عَلَى مَا حَدَثَ فِي مَعْرَكَةِ الْكَرْبَلَاءِ يَجِبُ أَلَّا يَقُودَنَا إِلَى الْفُرْقَةِ وَالْغَضَبِ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ يَدْفَعَنَا إِلَى التَّفَاهُمِ وَالتَّرَاحُمِ فِيمَا بَيْنَنَا. وَلِكَيْ لَا تَتَكَرَّرَ هَذِهِ الْمَعْرَكَةُ عَلَيْنَا أَنْ نَتَجَنَّبَ كُلَّ أَشْكَالِ الصِّرَاعِ الَّتِي تُمَزِّقُ وَحْدَتَنَا. فَلْنَتَّخِذْ مِنْ اخْلَاقِ الْحُسَيْنِ وَشَجَاعَتِهِ وَثَبَاتِهِ عَلَى الْحَقِّ طَرِيقًا وَنَهْجًا لَنَا. وَلْنَقِفْ مَعَ الْحَقِّ، والْعَدْلِ، وَالْمَظْلُومِ، وَلْنَقِفْ مَعًا مِنْ أَجْلِ أَنْ يَسُودَ الْحَقُّ وَالْعَدْلُ وَالسَّلَامُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِي الْمُجْتَمَعِ.

نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَ شَهْرَ مُحَرَّمٍ وَيَوْمَ عَاشُورَاءَ وَبِدَايَةَ عَامِنَا الْهِجْرِيِّ الْجَدِيدِ مُنَاسِبَةً لِنَهْضَةِ الْأُمَّةِ، وَلِأَمْنِ الْبَشَرِيَّةِ، وَلِنُصْرَةِ الْمَظْلُومِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ. رَحِمَ اللَّهُ سَيِّدَنَا الْحُسَيْنَ وَمَنْ اسْتُشْهِدَ مَعَهُ، وَجَمِيعَ مَنْ ضَحَّى بِنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ الْحَقِّ وَالْعَدَالَةِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ مُنْذُ كَرْبَلَاءَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا، وَاجْعَلْ مَثْوَاهُمْ الْجَنَّةَ، آمِينَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ.

خُطْبَةُ الْجُمُعَة ٤/ ٧/٢٠٢٥– اليوم العاشر من شهر المحرم

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com