خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة

19.11.2025
Rahle

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

نَعِيشُ فِي عَصْرٍ كُلُّ أَحَدٍ يُفَكِّرُ مَصْلَحَتَهُ فَقَطْ، وَانْتَشَرَ حُبُّ الذَّاتِ بَيْنَ النَّاسِ انْتِشَارًا كَبِيرًا. وَلِلْأَسَفِ إِذَا اهْتَمَّ أَحَدٌ بِهُمُومِ غَيْرِهِ وَسَعَى لِقَضَاءِ حَاجَةِ أَخِيهِ يَكُونُ كَأَنَّهُ لَا يَفْهَمُ شَيْءً وَجَاهِلٌ. لَقَدْ أَصْبَحَتْ الْأَنَانِيَّةُ مُنْتَشِرَةً جِدًّا فِي زَمَانِنَا هَذَا، وَبِسَبَبِ ذَلِكَ تَضْعُفُ رُوحُ التَّكَافُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ وَيَتَّجِهُ النَّاسُ لِلْعُزْلَةِ عَمَّنْ حَوْلَهُمْ. إِنَّ مِنْ أَهَمِّ الْأَسْبَابِ الَّتِي أَوْقَعَتْ الْإِنْسَانَ فِي الِاكْتِئَابِ فِي يَوْمِنَا هَذَا هُوَ الْأَنَانِيَّةُ، وَمِنْ أَفْضَلِ الطُّرُقِ لِلتَّغَلُّبِ عَلَى هَذِهِ الْأَنَانِيَّةِ الْإِنْفَاقُ الَّذِي أَمَرَنَا اللَّهُ بِهِ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: ﴿اَلَّذٖينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقٖيمُونَ الصَّلٰوةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَۙ﴾ وَالْإِنْفَاقُ هُوَ أَنْ يُخْرِجَ الْإِنْسَانُ مِنْ مَالِهِ لِغَيْرِهِ، وَالْأَنْفَاقُ هُوَ حِمَايَةُ وَرِعَايَةُ الْمُحْتَاجِ، وَالْوُقُوفُ بِجَانِبِهِمْ، وَالسَّعْيُ لِخِدْمَةِ الْأَهْلِ، وَالْأَقَارِبِ، وَالْجِيرَانِ، وَإِخْوَانِنَا فِي اَلدِّينِ وَالْإِنْسَانِيَّةِ جَمْعَاءَ.

 

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

وَمِنْ أَكْبَرِ الْأَخْطَاءِ عِنْدَ الْإِنْسَانِ أَنْ يَظُنَّ أَنَّ مَا يَمْلِكُهُ مِنْ مَالٍ وَثَرْوَةٍ مِلْكٌ خَاصٌّ لَهُ، وَأَنَّهُ صَاحِبُ التَّصَرُّفِ فِيهِ. فَالْمَالِكُ الْحَقِيقِيُّ هُوَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، مَالِكُ الْمُلْكِ الَّذِي بِيَدِهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ، يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ وَيَبْتَلِي مَنْ يَشَاءُ بِحُكْمِهِ. وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْ النَّاسِ يَنْسَوْنَ أَنَّ النِّعَمَ الَّتِي بَيْنَ يَدَيْهِمْ إِنَّمَا هِيَ مِنْ عَطَاءِ اللَّهِ، فَيَغْتَرُّونَ بِهَا وَيَنْسُبُونَهَا لِأَنْفُسِهِمْ وَكَأَنَّهُمْ حَصَلُوا عَلَيْهَا بِجَهْدِهِمْ وَقُدْرَتِهِمْ فَقَطْ. وَأَبْرَزُ مِثَالٍ عَلَى ذَلِكَ مَا قَصَّهُ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ عَنْ قَارُونَ الَّذِي كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَابْتَلَاهُ اللَّهُ بِالثَّرَاءِ. عِنْدَمَا قَالَ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: ﴿ وَابْتَغِ ف۪يمَٓا اٰتٰيكَ اللّٰهُ الدَّارَ الْاٰخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَص۪يبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَاَحْسِنْ كَمَٓا اَحْسَنَ اللّٰهُ اِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْاَرْضِۜ اِنَّ اللّٰهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِد۪ينَ ﴾ أَجَابَ قَارُونُ بِغُرُورٍ وَلَمْ يَعْتَرِفْ بِفَضْلِ اللَّهِ، وَنَسَبَ الْفَضْلَ لِنَفْسِهِ وَقَالَ: ﴿قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَىٰ عِلْمٍ عِندِي ۚ ﴾ فَأَدَّى ذَلِكَ الْكِبَرُ إِلَيَّ هَلَاكِهِ

 

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

نَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرْزُقَنَا وَإِيَّاكُمْ مِنْ وَاسِعِ فَضْلِهِ، وَأَنْ يَفِيضَ عَلَيْنَا مِنْ عَطَائِهِ بِاسْمِهِ الرَّزَّاقِ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا لِإِنْفَاقِ مَا أَنْهُمْ بِهِ عَلَيْنَا فِي سَبِيلِهِ. الْإِنْفَاقُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مِنْ أَفْضَلِ الْعِبَادَاتِ عِنْدَ اللَّهِ. وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ عَنْ فَضْلِ الْإِنْفَاقِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَۜ قُلْ مَٓا اَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْاَقْرَب۪ينَ وَالْيَتَامٰى وَالْمَسَاك۪ينِ وَابْنِ السَّب۪يلِۜ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَاِنَّ اللّٰهَ بِه۪ عَل۪يمٌ” الشَّاكِرُونَ لِلَّهِ تَعَالَى هُمْ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ مِمَّا رَزَقَهُمْ اللَّهُ. وَمَنْ يَبْخَلْ عَلَى غَيْرِهِ وَلَا يَتَصَدَّقْ وَيُنْفِقْ مِمَّا رَزَقَهُ اللَّهُ فَقَدْ اسْتَعْبَدَتْهُ الدُّنْيَا، وَصَارَ أَسِيرًا لِلْمَالِ. إِنَّ الْإِنْفَاقَ وَمُسَاعَدَةَ الْمُحْتَاجِينَ يَزِيدُ مِنْ الْبَرَكَةِ فِي الْمَالِ وَالرِّزْقِ. وَقَدْ صَوَّرَ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ هَذِهِ الْبَرَكَةَ تَصْوِيرًا رَائِعًا فِي قَوْله تَعَالَى: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ۗ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ ۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾

 

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

يُبَيِّنُ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي قَرَأْنَاهُ فِي بِدَايَةِ الْخُطْبَةِ أَنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يُغْبَطُ عَلَيْهِ الْإِنْسَانُ هُوَ أَنْ يَكُونَ يُنْفِقُ مِنْ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيُوصِينَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ. جَمْعِيَّتُنَا تُنَظِّمُ حَمَلَاتٍ خَيْرِيَّةً مِثْلَ كُلِّ عَامٍ، وَتَدْعُوكُمْ جَمِيعًا لِلْمُسَاهَمَةِ فِي هَذَا الْعَمَلِ الْخَيْرِيِّ. سَيُقَامُ بِفَضْلِ تَبَرُّعَاتِكُمْ بِسِتَّةَ عَشَرَ مَشْرُوعًا فِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ مِنْطَقَةً. وَهَذِهِ الْمَشَارِيعُ تَشْمَلُ تَرْمِيمَ الْمَسَاجِدِ، وَالْمَبَانِي الْخِدْمِيَّةِ، وَالْمَرَاكِزِ التَّعْلِيمِيَّةِ، وَالْمَدَارِسِ. وَالْإنْفَاقُ فِي هَذِهِ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ سَيَبْقَى صَدَقَةً جَارِيَةً فِي صَحَائِفِ أَعْمَالِنَا بِإِذْنِ اللَّهِ.

 نَدْعُوكُمْ جَمِيعًا لِلْمُسَاهَمَةِ فِي هَذَا الْعَمَلِ الْخَيْرِيِّ، نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَتَقَبَّلَ تَبَرُّعَاتِكُمْ، وَأَنْ يَجْعَلَهَا خَالِصَةً لِوَجْهِهِ الْكَرِيمِ.

 

خُطبة – بالعربية

خُطبة – بالتركية

خُطبة – بالألمانية

خُطبةبالإنجليزية

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com