خطبة

دار الأرقم بن أبي الأرقم

22.10.2025
Tesbih Yeşil Siyah

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ﴾ تُرْشِدُنَا هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنْ نَكُونَ مَعَ الصَّادِقِينَ وَنُحِيطَ أَنْفُسَنَا بِالصَّالِحِينَ. وَقَدْ عَرَّفَ الْإِمَامُ الْجُرْجَانِيُّ الصِّديقَ وقال: “هُوَ الَّذِي لَمْ يَدَعْ شَيْئًا أَظْهَرَهُ بِاللِّسَانِ إِلَّا حَقَّقَهُ بِقَلْبِهِ وَعَمَلِهِ.” وَمِنْ أَجْمَلِ الْأَمَاكِنِ الَّتِي كَانَ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْمُؤْمِنُونَ دَارُ الصَّحَابِيِّ الْأَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ.

هو كَانَ شَابًّا فِي السَّابِعَة عَشْرَةَ أَوْ الثَّامِنَة عَشْرَةَ مِنْ عُمْرِهِ عِنْدَمَا أَسْلَمَ، فَفَتَحَ بَيْتَهُ الْقَرِيبَ مِنْ جَبَلِ الصَّفَا لِلنَّبِيِّ ﷺ وَلِأَصْحَابِهِ. وَأَصْبَحَ بَيْتُهُ أَوَّلَ مَدْرَسَةٍ فِي الْإِسْلَامِ وَأَوَّلَ مُلْتَقًى لِلْمُسْلِمِينَ. كَانَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتْلُو مَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مِنْ وَحْيٍ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَيُعَلِّمُهُمْ الْقُرْآنَ، وَيُعَلِّمُهُمْ قِيَمَ الْإِسْلَامِ. وَفِي هَذَا الْبَيْتِ تَعَرَّفَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَلَى الْإِسْلَامِ وَنَشَرَهُ. لَقَدْ تَحَقَّقَتْ فِي دَارِ الْأَرْقَمِ كَلِمَاتُ النَّبِيِّ ﷺ حِينَ قَالَ: «خَيْرُكُمْ مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ». فَفِي ذَلِكَ الْبَيْتِ، وُلِدَ جِيلٌ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَاشَ بِهِ، ثُمَّ حَمَلَ نُورَهُ إِلَى مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا.

 

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

دَارُ الْأَرْقَمِ لَمْ يَكُنْ مُجَرَّدَ بَيْتٍ، بَلْ كَانَ مَنَارَةً لِلْإِيمَانِ وَمَرْكَزا لِلثَّبَاتِ وَالصَّبْرِ. فِي ذَلِكَ الْمَكَانِ الْمُبَارَكِ اجْتَمَعَتْ الْقُلُوبُ الْمُؤْمِنَةُ، وَفِيهِ تُلِيَتْ أَوَّلُ آيَاتِ الْقُرَانِ، وَسَجَدُوا لِلَّهِ بِقَلْبٍ خَاشِعٍ. آمَنَ الشُّيُوخُ، وَالْأَغْنِيَاءُ، وَالْفُقَرَاءُ، الْأَحْرَارُ، وَالْعَبِيدُ. فِي دَارِ الْأَرْقَمِ تَعَلَّمَ الصَّحَابَةُ الْعِلْمَ وَأَصْبَحُوا أُمَّةً رَائِدَةً تَحْمِلُ رِسَالَةَ الْإِسْلَامِ إِلَى الْعَالَمِ. لَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ: ﴿اَللّٰهُ وَلِيُّ الَّذٖينَ اٰمَنُواۙ يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ اِلَى النُّورِؕ  ‎ وَهَكَذَا كَانَتْ دَارُ الْأَرْقَمِ – بَابًا مِنْ النُّورِ وَسَطَ ظُلُمَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ.

 

 

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

وَنَحْنُ الْآنَ فِي يَوْمِنَا هَذَا جَعَلَتْ الْحَيَاةُ الْحَدِيثَةُ الْإِنْسَانَ يَمِيلُ إِلَى الْعُزْلَةِ وَصِرْنَا نَحْتَفِظُ بِبُيُوتِنَا لِأَنْفُسِنَا فَقَطْ، وَنُغْلِقُ أَبْوَابَنَا عَنْ الْآخَرِينَ. لَكِنَّ الْأَرْقَمَ بْنَ أَبِي الْأَرْقَمِ يُعَلِّمُنَا أَنَّ الْبَيْتَ مَفْتُوحٌ دَائِمًا لِلْحَقِّ وَالْخَيْرِ. يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ بُيُوتُنَا مَفْتُوحَةً لِلضُّيُوفِ وَمَجْلِسًا لِلْأُخُوَّةِ وَالْمُشَارَكَةِ، وَلَيْسَ فَقَطْ مَكَانَ النَّوْمِ وَالرَّاحَةِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَنْ كانَ يُؤمنُ بِاللَّه واليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ» فَإِكْرَامُ الضَّيْفِ، وَبَذْلُ الْوُدِّ، وَمُشَارَكَةُ الْخَيْرِ مَعَ النَّاسِ، هِيَ عَلَامَاتُ الْإِيمَانِ الْحَيِّ الَّذِي يُعَمِّرُ الْبُيُوتَ بِالْبَرَكَةِ.

 

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

الصُّحْبَةُ الطَّيِّبَةُ تُطَهِّرُ الْقُلُوبَ، وَتَنْقُلُ الْمَعَارِفَ، وَتُقَوِّي الْمَحَبَّةَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ. وَلِذَلِكَ تُعَدُّ الْمَجَالِسُ الْإِيمَانِيَّةُ مِنْ أَعْظَمِ وَسَائِلِ التَّرْبِيَةِ فِي الْإِسْلَامِ. وَلِذَلِكَ يُطْلَقُ عَلَى مَنْ جَلَسَ فِي مَجْلِسِ النَّبِيِّ “الصَّحَابَةُ”. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا» وَهَكَذَا كَانَتْ دَارُ الْأَرْقَمِ أَوَّلَ بَيْتٍ يُرْمَزُ لِلْأُخُوَّةِ وَالتَّآزُرِ فِي الْإِسْلَامِ. وَالْيَوْمَ نَحْنُ نَحْمِلُ هَذِهِ الْأَمَانَةَ فَنُوَاصِلُ هَذَا النَّهْجَ مِنْ خِلَالِ مَجَالِسِ الْعِلْمِ وَالدَّعْوَةِ فِي جَمْعِيَّتِنَا وَمَسَاجِدِنَا تَحْتَ عُنْوَانِ “لِقَاءَاتُ الْأَرْقَمِ”. فَلْنَكُنْ مِنْ الَّذِينَ يُحْيُونَ هَذَا الْإِرْثَ الْعَظِيمَ، وَلْنَفْتَحْ بُيُوتَنَا كَمَا فَتَحَ الْأَرْقَمُ بَيْتَهُ، نَحْضُرُ الْمَجَالِسَ، وَنُسْهِمُ فِي نَشْرِ الْعِلْمِ وَالدَّعْوَةِ حَتَّى تَمْتَلِئَ بُيُوتُنَا بِذِكْرِ اللَّهِ وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَالصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ ﷺ. نَرْجُو مِنْ اللَّهِ أَنْ تُصْبِحَ بُيُوتُنَا كَمَا كَانَتْ دَارُ الْأَرْقَمِ، وَلْيَكُنْ صَوْتُ الْقُرْآنِ وَتِلَاوَتُهُ لَا تَنْقَطِعُ مِنْ بُيُوتِنَا.

 

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

وَلْنَخْتِمْ خُطْبَتَنَا بِالدُّعَاءِ: اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّادِقِينَ الثَّابِتِينَ عَلَى الْإِيمَانِ، وَاجْعَلْنَا مِثْلَ أَرْقَمِ بْنِ أَبِي الْأَرْقَمِ، نَفْتَحُ بُيُوتَنَا لِدِينِكَ، وَقُلُوبَنَا لِإِخْوَانِنَا. اللَّهُمَّ نَوِّرْ بُيُوتَنَا بِنُورِ الْقُرْآنِ، وَامْلَأْهَا بِبَرَكَةِ الذِّكْرِ، وَدِفْءِ الْمَحَبَّةِ وَالْإِيمَانِ. وَاجْعَلْهَا مَجَالِسَ خَيْرٍ تُذْكَرُ فِيهَا أَسْمَاؤُكَ، وَتُتْلَى فِيهَا آيَاتُكَ، وَتُصَلَّى فِيهَا عَلَى نَبِيِّكَ مُحَمَّدٍ ﷺ.

 اللَّهُمَّ وَحِّدْ صُفُوفَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ، وَاجْمَعْ كَلِمَتَهُمْ عَلَى الْحَقِّ، وَانْزِعْ مِنْ بَيْنِهِمْ الْفُرْقَةَ وَالِاخْتِلَافَ، وَاجْعَلْهُمْ إِخْوَةً مُتَحَابِّينَ مُتَعَاوِنِينَ فِي الْخَيْرِ. اللَّهُمَّ بَارِكْ فِي بُيُوتِنَا وَأَهَالِينَا وَأَعْمَالِنَا، وَارْزُقْنَا الْإِخْلَاصَ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ. آمِينَ

خُطبة – بالعربية

خُطبة – بالتركية

خُطبة – بالألمانية

خُطبةبالإنجليزية

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com