خطبة
ليلة مولد النبي الشريف صلى الله عليه وسلم
28.08.2025
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
قَبْلَ أَرْبَعَةِ عَشَرَ قَرْنًا مِنْ الزَّمَانِ فِي زَمَنٍ عَلَا فِيهِ الْكُفْرُ، وَانْتَشَرَتْ فِيهِ الْجَاهِلِيَّةُ، وَضَاعَتْ فِيهِ الْقِيَمُ، وَأُهِينَ فِيهِ الضُّعَفَاءُ، وَظُلِمَتْ فِيهِ النِّسَاءُ، وَتَقَطَّعَتْ الْأَرْحَامُ، وَاسْتُبْدِلَ الْحَقُّ بِالْبَاطِلِ وَالْعَدْلُ بِالْهَوَى. وَكَانَتْ الْخِلَافَاتُ وَالْخُصُومَاتُ بَيْنَ الْعَائِلَاتِ لَا تَنْتَهِي، وَتَوَارَثُ الثَّأْرِ وَالْكُرْهِ بَعْدَ جِيلٍ. كَانَ النَّاسُ يَعِيشُونَ فِي ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ، وَفَقَدُوا الطَّرِيقَ وَتَاهُوا عَنْ طَرِيقِ السَّبِيلِ. فَأَرْسَلَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ وَهِدَايَةً لِلنَّاسِ أَجْمَعِينَ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يَٓا اَيُّهَا النَّبِيُّ اِنَّٓا اَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذٖيراًۙ. وَدَاعِياً اِلَى اللّٰهِ بِاِذْنِهٖ وَسِرَاجاً مُنٖيراً﴾ وَهَذِهِ الْآيَةُ تُؤَكِّدُ أَنَّ نَبِيَّنَا شَهِدَ بِحَيَاتِهِ عَلَى صِدْقِ الْوَحْيِ، وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ سَيَشْهَدُ عَلَى إِيمَانِ أُمَّتِهِ، وَبَشَّرَ الْمُؤْمِنِينَ بِالْجَنَّةِ وَالرِّضْوَانِ فِي الْآخْرَةِ، وَحَذَّرَ مِنْ الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ، وَدَعَا النَّاسَ إِلَى التَّوْحِيدِ، وَالْعَدْلِ، وَالصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ. فَكَانَ بِأَخْلَاقِهِ وَحَيَاتِهِ نُورًا أَضَاءَ بِهِ ظُلُمَاتِ الْجَاهِلِيَّةِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرْآنًا يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ، يُطَبِّقُ أَوَامِرَ اللَّهِ وَيُجَسِّدُ مَعَانِيَ الْوَحْيِ فِي حَيَاتِهِ. لَمْ يَرُدَّ سَائِلًا وَلَا ضَيْفًا، بَلْ كَانَ عِنْدَمَا لَا يَجِدُ مَا يُقَدِّمُهُ يَأْخُذُ مِنْ جَارِهِ لِيُكْرِمَ ضَيْفَهُ. قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «ليس المؤمنُ بالذي يشبعُ وجارُه جائِعٌ إلى جنبَيْهِ» عُرِفَ بِالْأَمَانَةِ مُنْذُ شَبَابِهِ حَتَّى لُقِّبَ بِالصَّادِقِ الْأَمِينِ. وَكَرَّمَ الْمَرْأَةَ وَقَالَ: «الْجَنَّةُ تَحْتَ أَقْدَامِ الأمَّهَات» وَكَانَ يُلَاعِبُ الْأَطْفَالَ وَيُعَانِقُهُمْ. وَكَانَ يَعْفُو عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْهِ، وَكَانَ يَحُثُّ عَلَى الصِّدْقِ فَقَالَ: «مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا» إِنَّ مَحَبَّتَهُ لَا تَكُونُ بِالْكَلَامِ فَقَطْ، بَلْ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مَحَبَّةً صَادِقَةً رَاسِخَةً فِي الْقَلْبِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُؤْمِنُ أحَدُكُمْ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن والِدِهِ ووَلَدِهِ والنَّاسِ أجْمَعِينَ.» وَمَنْ لَمْ يَتَّخِذْهُ قُدْوَةً كَمَنْ يُبْحِرُ فِي سَفِينَةٍ بِدُونِ بُوصْلَةٍ تَائِهَةٍ لَا يَعْرِفُ إِلَى أَيْنَ يَتَّجِهُ وَيَضِلُّ الطَّرِيقَ وَيَقَعُ فِي الْهَلَاكِ.
أَمَّا إِذَا اقْتَدَيْنَا بِرَسُولِ اللَّهِ وَجَدْنَا فِي بُيُوتِنَا السَّكِينَةَ، وَفِي مُجْتَمَعِنَا الطُمَأْنِينَةَ، وَفِي تِجَارَتِنَا البَرَكَةَ، وَفِي صَدَاقَتِنَا الوَفَاءَ. وَالتَّمَسُّكُ بِسُنَّتِهِ نُورٌ وَضِيَاءٌ كَالْمِصْبَاحِ الَّذِي يُنِيرُ لَنَا الطَّرِيقَ فِي الظُّلُمَاتِ فَلَا نَضِلُّ وَلَا نَنْحَرِفُ. وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إِلَّا بِتَعَلُّمِ سُنَّتِهِ وَسِيرَتِهِ، وَأَنْ نَتَحَلَّيَ بِأَخْلَاقِهِ وَنُطَبِّقَهَا فِي حَيَاتِنَا.
وَاجِبٌ عَلَيْنَا أَنْ نُعَرِّفَ أَبْنَائَنَا بِنَبِيِّنَا وَحَبِيبِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ نَغْرِسَ فِي قُلُوبِهِمْ مَحَبَّتَهُ، وَنُعَلِّمَهُمْ سِيرَتَهُ الْعَطِرَةَ وَأَخْلَاقَهُ الْكَرِيمَةَ. عَلَيْنَا أَنْ نَجْعَلَ حَيَاتَنَا انْعِكَاسًا لِخُلُقِهِ الْعَظِيمِ، فَنُظْهِرُ صِدْقَهُ فِي أَعْمَالِنَا، وَرَحْمَتَهُ فِي بُيُوتِنَا، وَصَبْرَهُ فِي شَدَائِدِنَا، وَنَكُونَ قُدْوَةً حَسَنَةً لِغَيْرِنَا بِخُلُقِهِ وَسُنَّتِهِ. فَلْيَكُنْ فِي بُيُوتِنَا لُغَةُ الْحُبِّ وَالِاحْتِرَامِ وَالتَّقْدِيرِ، وَفِي أَعْمَالِنَا الصِّدْقُ، وَفِي جِيرَانِنَا الْوَفَاءُ، وَفِي أُسَرِنَا الرَّحْمَةُ حَتَّى نَتَحَلَّيَ جَمِيعًا بِأَخْلَاقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
يَوْمُ الْأَرْبِعَاءِ الْمُقْبِلِ لَيْلَةَ الْخَمِيسِ ثَلَاثَةُ سِبْتَمْبِرَ لَيْلَةُ الْمَوْلِدِ النَّبَوِيِّ الشَّرِيفِ، فَهَذِهِ اللَّيْلَةُ فُرْصَةٌ لِنُحْيِيَ فِي قُلُوبِنَا مَحَبَّتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ سَتَمْتَلِئُ مَسَاجِدُنَا بِالصَّلَاةِ، وَالدُّعَاءِ، وَتِلَاوَةِ الْقُرْآنِ، وَتَجْتَمِعُ فِيهَا الْقُلُوبُ عَلَى الْمَحَبَّةِ وَالْإِخَاءِ. فَلْنَغْتَنِمْ هَذِهِ اللَّيْلَةَ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ المُصْطَفَى وَبأَنْ نَسِيرَ عَلَى نَهْجِهِ. وَلْيَكُنْ هَدَفُنَا أَنْ نَتَعَلَّمَ وَنَعِيشَ بِسُنَّتِهِ. وَلْنُكْثِرْ الدُّعَاءَ وَلْنُعَطِّرْ بُيُوتَنَا بِتِلَاوَةِ كِتَابِ اللَّهِ، وَلْنَتَحَلَّ بِأَخْلَاقِهِ وَنَنْشُرْ الرَّحْمَةَ فِي بُيُوتِنَا وَمُجْتَمَعِنَا.
وَفِي هَذِهِ اللَّيْلَةِ الْمُبَارَكَةِ نَدْعُو اللَّهَ أَنْ يَرْحَمَ إِخْوَانَنَا الْمَظْلُومِينَ فِي غَزَّةَ، وَسُورْيَا، وَجَمِيعِ أَنْحَاءِ الْعَالَمِ الَّذِينَ يُعَانُونَ مِنْ الظُّلْمِ، وَأَنْ يَرْزُقَ الْأَحْيَاءَ الْفَرَجَ، وَالنَّصْرَ، وَالْأَمْنَ، وَالسَّلَامَ. اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ أَتْبَاعِهِ الْمُخْلِصِينَ السَّائِرِينَ عَلَى نَهْجِهِ وَارْزُقْنَا شَفَاعَتَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ الدِّينِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
كَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ إِخْوَانَنَا فِي غَزَّةَ مُنْذُ أَكْثَرَ مِنْ عَامَيْنِ يَتَعَرَّضُونَ لِأَبْشَعِ صُوَرِ الظُّلْمِ وَالطُّغْيَانِ، وَتُرِكُوا جَائِعِينَ، وَقُطِعَتْ عَنْهُمْ الْمِيَاهُ وَالْكَهْرَبَاءُ، وَشُرِّدَ الْأَطْفَالُ وَصَارُوا أَيْتَامًا، وَتَرَمَّلَتْ النِّسَاءُ، وَدُمِّرَتْ الْمَنَازِلُ وَالْمُخَيَّمَاتُ، وَتَحَوَّلَتْ الْأَرْضُ إِلَى جَحِيمٍ.
وَلَمْ يَكْتَفِ الطُّغَاةُ بِكُلِّ ذَلِكَ، بَلْ إِنَّ حُكُومَةَ نَتَنْيَاهُو الْيَوْمَ قَدْ أَعْلَنَتْ عُدْوَانًا شَامِلًا هَانُوا فِيهِ كَرَامَةَ الْإِنْسَانِ، وَصَمْتُ الْمُجْتَمَعِ الدَّوْلِيِّ عَنْ هَذِهِ الْمَجَازِرِ لَا يَقِلُّ جُرْمًا عَنْ الْعُدْوَانِ ذَاتِهِ، بَلْ يَزِيدُ مِنْ مُعَانَاةِ شَعْبٍ حُرِمَ مِنْ أَبْسَطِ مُقَوِّمَاتِ الْحَيَاةِ. فَلْنُنَاشِدْ الْعَالَمَ لِلتَّحَرُّكِ لِإِنْهَاءِ هَذَا الظُّلْمِ وَإِحْلَالِ الْعَدْلِ وَالسَّلَامِ.
اللَّهُمَّ يَا نَاصِرَ الْمُسْتَضْعَفِينَ، فَرِّجْ كَرْبَ إِخْوَانِنَا، وَتَقَبَّلْ شُهَدَائَهُمْ، وَاحْفَظْ أَرْضَهُمْ، وَأَعِنَّا عَلَى رَفْعِ الظُّلْمِ وَإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ.