خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة ١٦/ ٥/٢٠٢٥– الاسراف
15.05.2025
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ مِنْ السَّلْبِيَّاتِ الَّتِي تَضُرُّ بِالسَّلَامِ وَالسَّعَادَةِ وَالسَّكِينَةِ بَيْنَ النَّاسِ الْإِسْرَافُ. وَهُوَ اسْتِخْدَامُ نِعَمِ اللَّهِ الَّتِي أَنْعَمَهَا اللَّهُ عَلَيْنَا بِدُونِ ضَوَابِطَ. وَقَدْ انْتَشَرَ الْإِسْرَافُ فِي يَوْمِنَا هَذَا فِي مَجَالَاتٍ عَدِيدَةٍ؛ فِي الطَّعَامِ، وَالشَّرَابِ، وَالْقَوْلِ، وَالْعَمَلِ، وَفِي الصِّحَّةِ، وَفِي الْوَقْتِ. وَمِنْ الْمُحْزِنِ أَنَّهُ بَيْنَمَا يُعَانِي الْكَثِيرُ مِنْ النَّاسِ فِي الْعَالَمِ مِنْ الْجُوعِ وَيَبْحَثُونَ عَنْ لُقْمَةِ خُبْزٍ، يُلْقِي الْبَعْضُ الْأُخَرُ أَطْنَانَ مِنْ الطَّعَامِ فِي الْقُمَامَةِ دُونَ اكْتِرَاثٍ. وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي لَا يَجِدُ فِيهِ بَعْضُ النَّاسِ قَطْرَةَ مِاءٍ يُرَوِّيُون بِهَا عَطَشَهُمْ، يُهْدَرُ الْمَاءُ فِي أَمَاكِنَ أُخْرَى دُونَ اكْتِرَاثٍ. وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَقَالَ ﴿وَالَّذٖينَ اِذَٓا اَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذٰلِكَ قَوَاماً﴾ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ “كلُوا، واشربُوا، وتصدقُوا، والْبَسُوا في غيرِ إسرافٍ ولا مَخيلةٍ”
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
وَمِنْ أَكْثَرِ أَنْوَاعِ الْإِسْرَافِ شُيُوعًا هَدْرُ الْوَقْتِ وَالصِّحَّةِ. إِهْدَارُ الصِّحَّةِ هُوَ أَنْ تُعَرِّضَ جَسَدَكَ وَرُوحَكَ لِلْخَطَرِ مِنْ خِلَالِ الْعَادَاتِ السَّيِّئَةِ الَّتِي لَا تَنْفَعُ دُنْيَانَا وَلَا آخِرَتَنَا. وَإِهْدَارُ الْوَقْتِ هُوَ أَنْ نُضَيِّعَ عُمْرَنَا فِيمَا لَا يُرْضِي اللَّهَ. وَقَدْ نَبَّهَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهَمِّيَّةِ هَتَيْنِ النِّعْمَتَيْنِ الْعَظِيمَتَيْنِ، فَقَالَ: «نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ»
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
عِنْدَمَا نُلَاحِظُ تَصَرُّفَاتِ الْإِنْسَانِ فِي الْإِنْفَاقِ نَرَى أَنَّ مِنْ سُلُوكِهِ الْبُخْلَ وَالْإِسْرَافَ وَالِاقْتِصَادَ. وَقَدْ حَذَّرَ دِينُنَا الْحَنِيفُ مِنْ الْبُخْلِ وَالْإِسْرَافِ، وَأَرْشَدَنَا إِلَى الِاعْتِدَالِ فِي الْإِنْفَاقِ. فَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِي يَعْلَمُ حَالَنَا نَبَّهَنَا إِلَى ضَرُورَةِ الِاعْتِدَالِ فِي الِاسْتِفَادَةِ مِنْ اَلنِّعَمِ، لِأَنَّ اَلنَّفْسَ تَضْعُفُ أَمَامَ الشَّهَوَاتِ، فَالْإِسْرَافُ مَعْصِيَةٌ عَظِيمَةٌ. يَقُولُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ اَلْكَرِيمِ ﴿إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ وفي آيَةٍ أُخْرَى ﴿اِنَّ الْمُبَذِّرٖينَ كَانُٓوا اِخْوَانَ الشَّيَاطٖينِؕ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهٖ كَفُوراً﴾ لِأَنَّ الْإِسْرَافَ فِيهِ اسْتِخْفَافٌ بِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَظُلْمٌ لِمَنْ يُشَارِكُنَا الْحَيَاةَ مِنْ النَّاسِ وَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ. فَمَا مِنْ نِعْمَةٍ فِي هَذَا الْكَوْنِ إِلَّا وَقَدْ وُضِعَتْ لِأَجْلِ مَقْصِدٍ وَحِكْمَةٍ. بِسَبَبِ الْأَنَانِيَّةِ وَاللَّامُبَالَاةِ الَّتِي يَتَعَامَلُ بِهَا الْإِنْسَانُ مَعَ الطَّبِيعَةِ وَالْبِيئَةِ، فَإِنَّ الْأَضْرَارَ اَلْبِيئِيَّةَ الْيَوْمَ قَدْ بَلَغَتْ دَرَجَةً تُنْذِرُ بِالْخَطَرِ، وَيَصْعُبُ عِلَاجُهَا.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
وَيَجِبُ أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ كُلَّ مَنْ عَاشَ حَيَاةً بَعِيدَةً عَنْ غَايَةِ الْخَلْقِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ. فَالْحَيَاةُ الَّتِي تُقْضَى بِمُخَالَفَةِ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَتَمْضِي بِدُونِ مَعْرِفَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ تَكُونُ حَيَاةً بِلَا هَدَفٍ. فَلْنُحَافِظْ عَلَى نِعَمِ اللَّهِ فِي حَيَاتِنَا، وَنَعْتَدِلْ وَلَا نُسْرِفُ. وَلْنَبْدَأْ بِأَنْفُسِنَا وَأُسَرِنَا بِمَنْعِ الْإِسْرَافِ. فَلَا تُلْقَ لُقْمَةُ خُبْزٍ وَاحِدَةٌ فِي الْقُمَامَةِ، وَلَا تَجْرِ قَطْرَةُ مَاءٍ سُدًى، وَلَا تُهْدَرْ طَاقَتُنَا وَلَا يُضَعْ وَقْتُنَا. وَلَا يَذْهَبْ سُدًى عَمَلُنَا وَمَهَارَتُنَا. فَإِنَّنَا إِذَا أَسْرَفْنَا لَا يَزُولُ الْمَالُ وَالْمُمْتَلَكَاتُ فَقَطْ، بَلْ يَضِيعُ مَعَهَا آمَالُنَا وَمُسْتَقْبَلُنَا. قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الاقْتِصَادُ فِي النَّفَقَةِ نِصْفُ الْمَعِيشَةِ، وَمَحَبَّةُ النَّاسِ نِصْفُ الْعَقْلِ، وَحُسْنُ السُّؤَالِ نِصْفُ الْعِلْمِ» [رواه الطبراني]
جُمُعَتُكُمْ مُبَارَكَةٌ، وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ.