خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة ١١/ ٧/٢٠٢٥– صلة الرحم طريقة إلى الجنة
11.07.2025
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
خَلَقَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْبَشَرَ مِنْ أُمٍّ وَأَبٍ، وَجَعَلَ لِصِلَةِ الدَّمِ وَالرَّحِمِ حُقُوقًا عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ. صِلَةُ الرَّحِمِ مِنْ الْأُمُورِ الَّتِي نَغْفُلُ عَنْهَا وَنُؤَجِّلُهَا أَحْيَانًا، لَكِنْ فِي الْحَقِيقَةِ صِلَةُ الرَّحِمِ رُكْنٌ أَسَاسِيٌّ مِنْ أَرْكَانِ دِينِنَا. وَصِلَةُ الرَّحِمِ فِي دِينِنَا تَكُونُ بِتَقْوِيَةِ وَإِحْيَاءِ رَوَابِطِ الْقَرَابَةِ، وَمُرَاعَاةِ حُقُوقِهِمْ، وَزِيَارَتِهِمْ. أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَاتَّقُوا اللّٰهَ الَّذٖى تَسَٓاءَلُونَ بِهٖ وَالْاَرْحَامَۜ اِنَّ اللّٰهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقٖيبًا﴾ وَقَدْ بَيَّنَ عُلَمَاءُ الِاسْلَامِ اسْتِنَادًا إِلَى هَذِهِ الْآيَةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ أَنَّ قَطْعَ صِلَةِ الرَّحِمِ مِنَ الْمُحَرَّمَاتِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
عَلَاقَتُنَا مَعَ الْأَقَارِبِ مُهِمَّةٌ لِدَرَجَةِ أَنَّهَا تُؤَثِّرُ فِي عَلَاقَتِنَا بِاللَّهِ تَعَالَى. فَإِنَّ الْعَلَاقَةَ الَّتِي نَبْنِيهَا مَعَ صِلَةِ الرَّحِمِ الْقَائِمَةِ عَلَى الْإِحْسَانِ وَالرَّحْمَةِ وَالْعَدْلِ تَفْتَحُ أَبْوَابَ الرَّحْمَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْأَخِرَةِ. يَقُولُ حَبِيبُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَعَلَّمُوا مِنْ أَنْسَابِكُمْ مَا تَصِلُونَ بِهِ أَرْحَامَكُمْ، فَإِنَّ صِلَةَ الرَّحِمِ مَحَبَّةٌ فِي الأَهْلِ، مَثْرَاةٌ فِي الْمَالِ، مَنْسَأَةٌ فِي الأَثَرِ». وَلَكِنْ لِلْأَسَفِ فِي يَوْمِنَا هَذَا نَرَى فِي زَحْمَةِ الْحَيَاةِ أَنَّ عَلَاقَاتِ الْأُسْرَةِ وَالْأَقَارِبِ قَدْ ضَعُفَتْ، بَلْ وَصَلَتْ إِلَى حَدِّ الْإنْقِطَاعِ. دِينُنَا يَأْمُرُنَا بِتَقْوِيَةِ صِلَةِ الرَّحِمِ وَيَنْهَانَا عَنْ قَطْعِ هَذِهِ الْعَلَاقَاتِ.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
اَلْحَيَاةُ الَّتِي تَنْعَمُ بِصِلَةِ الرَّحِمِ يَمْلَؤُهَا الْخَيْرُ وَالْبَرَكَةُ وَالرِّزْقُ، وَلَا يَقْتَصِرُ عَلَى ذَلِكَ فَقَطْ، بَلْ يَمْلَؤُهَا السَّكِينَةُ وَالْمَحَبَّةُ وَالدُّعَاءُ. رَحْمَةُ اللَّهِ تَكُونُ فِي الْأُسَرِ الَّتِي يَتَعَاوَنُ أَفْرَادُهَا، وَعَلَى تَوَاصُلٍ فِيمَا بَيْنَهُمْ بِشَكْلٍ مُسْتَمِرٍّ، وَيَتَفَقَّدُونَ أَحْوَالَ بَعْضِهِمْ، وَيَكُونُونَ بِجَانِبِ بَعْضِهِمْ الْبَعْضِ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ. قَدْ تَكُونُ مُكَالَمَةً أَوْ زِيَارَةً أَوْ حَتَّى السَّلَامُ يَكْفِي لِفَتْحِ بَابِ هَذِهِ الرَّحْمَةِ. فَصِلَةُ الرَّحِمِ لَيْسَ مُجَرَّدَ أَمْرٍ مِنْ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ فَقَطْ، بَلْ هُوَ سَبِيلُ الرِّزْقِ وَالْبَرَكَةِ فِي الْبُيُوتِ. حَثَّنَا حَبِيبُنَا الْمُصْطَفَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِحِفْظِ صِلَةِ الرَّحِمِ لِنَيْلِ الْبَرَكَةِ فِي الرِّزْقِ وَالْعُمْرِ بِقَوْلِهِ: «مَن أَحَبَّ أن يُبْسَطَ له في رِزْقِه، وأن يُنْسَأَ له في أَثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَه»
صِلَةُ الرَّحِمِ لَا تَخْتَصُّ بِالْأَحْيَاءِ فَقَطْ، بَلْ هِيَ أَيْضًا بِالدُّعَاءِ لِلْأَمْوَاتِ عِنْدَ قُبُورِهِمْ، وَذِكْرِ إِخْوَانِنَا، وَمُشَارَكَةِ أَحْزَانِهِمْ وَتَخْفِيفِ وَحَمْلِ أَعْبَائِهِمْ. وَأَنَّ مَنْ يَنْسَى الْمَظْلُومِينَ لَمْ يُدْرِكْ مَعْنَى صِلَةِ الرَّحِمِ. إِنَّ تَذَكُّرَ الطِّفْلِ الْجَائِعِ فِي غَزَّةَ، وَالطِّفْلِ الْحَزِينِ فِي سُورْيَا يُعَدُّ مِنْ صِلَةِ الرَّحِمِ أَيْضًا. فَصِلَةُ الرَّحِمِ جِسْرٌ مِنْ الرَّحْمَةِ يَتَجَاوَزُ الْحُدُودَ وَاللُّغَاتِ وَالْأَوْطَانَ. فِي الْأَيَّامِ الْقَادِمَةِ سَيَتَوَجَّهُ الْكَثِيرُ إِلَى بِلَادِهِمْ وَأَهْلِهِمْ، فَلْنَغْتَنِمْ فُرْصَةَ الْعُطْلَةِ، وَنَزُرْ أَقَارِبَنَا، وَنُصِلْ رَحِمَنَا. فَلْنُحْيِ رَوَابِطَ الْأَقَارِبِ وَنُنْهِ الْخُصُومَةَ وَنُكْثِرْ وَنَزِدْ الْمَحَبَّةَ، وَنَزُرْ الْأَقَارِبَ الَّذِينَ لَمْ نَزُرْهُمْ مُنْذُ وَقْتٍ، وَلْنَسْأَلْ عَنْ أَحْوَالِهِمْ، وَلْنَزُرْ قُبُورَ مَوْتَانَا، لِنُسَلِّمْ عَلَيْهِمْ وَنَكْسِبْ قُلُوبَهُمْ وَنُسَارِعْ فِي الْخَيْرِ.
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يَجْعَلَنَا مِنَ الَّذِينَ يَصِلُونَ أَرْحَامَهُمْ، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الْأَمْنَ وَالِاسْتِقْرَارَ فِي حَيَاتِنَا.