خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة ١٨/ ٧/٢٠٢٥– الأخوة في الاسلام
18.07.2025
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
عِنْدَمَا يُطْرَحُ عَلَيْنَا سُؤَالُ “مَا مَعْنَى الْأُخُوَّةِ؟” يُعْطِي كُلٌّ مِنَّا إِجَابَةً مُخْتَلِفَةً. فَقَدْ يَقُولُ الْبَعْضُ الْأُخُوَّةُ فِي النَّسَبِ، أَوْ الْأُخُوَّةُ فِي الدَّمِ، أَوْ الْأُخُوَّةُ فِي الْإِنْسَانِيَّةِ، أَوْ الْأُخُوَّةُ فِي الدِّينِ. أَمَّا الْأُخُوَّةُ فِي دِينِنَا فَهِيَ لَا تَقْتَصِرُ فَقَطْ عَلَى الْإِخْوَةِ الَّذِينَ وُلِدُوا مِنْ نَفْسِ الْأَبَوَيْنِ، بَلْ لَهَا مَفْهُومٌ أَوْسَعُ وَأَشْمَلُ. اَلْأُخُوَّةُ فِي الْإِسْلَامِ هِيَ اَلْمَحَبَّةُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ، اَلْأُخُوَّةُ وَفَاءٌ نَابِعٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي أُرْسِلُ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. الْأُخْوَّةُ هِيَ جَبْرُ خَوَاطِرِ النَّاسِ، وَكَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ تُقَالُ وَقْتَ الشِّدَّةِ. الْأُخُوَّةُ هِيَ مُشَارَكَةُ الْفَرَحِ وَالسَّعَادَةِ، وَالْمُوَاسَاةُ فِي الْحُزْنِ وَالْأَلَمِ. اَلْأُخُوَّةُ جِسْرٌ مِنْ الْأُلْفَةِ وَالْمَوَدَّةِ يَبْنِي بَيْنَ الْقُلُوبِ، وَيُزِيلُ الْمَسَافَاتِ وَالْحُدُودَ.
لِلْأُخُوَّةِ دَرَجَاتٌ أَقَلُّهَا عَدَمُ إِيذَاءِ الْأَخَرِينَ، أَوْسَطُهَا هُوَ نَفْعُ الْأَخَرِينَ، وَأَعْلَاهَا أَنْ تُفَضِّلَ غَيْرَكَ عَلَى نَفْسِكَ. قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: »مَثَلُ المُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِم، وتَرَاحُمِهِم، وتَعاطُفِهِمْ مَثَلُ الجَسَدِ إذا اشْتَكَى منْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سائِرُ الجَسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى« فَمَعْنَى اَلْأُخُوَّةِ أَنْ نَكُونَ كَالْجَسَدِ اَلْوَاحِدِ فِي إِظْهَارِ اَلْمَحَبَّةِ، وَالرَّحْمَةِ، وَالشَّفَقَةِ نَحْوَ بَعْضِنَا اَلْبَعْضِ، اَلْأُخُوَّةُ هِيَ أَنْ نَسْعَيَ لِنَيْلِ رِضَا اَللَّهِ مَعًا، وَنَتَعَاوَنَ عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى فِي هَذِهِ اَلدُّنْيَا اَلْمَلِيئَةِ بِالِابْتِلَاءَاتِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
وَمِنْ الْمُحْزِنِ أَنَّنَا لَمْ نُحَافِظْ عَلَى مَا وَصَّانَا بِهِ حَبِيبُنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. لَقَدْ كَانَتْ أُخُوَّةُ الْأَنْصَارِ وَالْمُهَاجِرِينَ مِثَالًا يُحْتَذَى بِهِ، وَلَكِنْ لِلْأَسَفِ لَمْ تَعُدْ إِلَّا ذِكْرَى تَارِيخِيَّةً. لَقَدْ أَفْسَدَتِ الْمَصَالِحُ الدُّنْيَوِيَّةُ وَصِرَاعَاتُ السُّلْطَةِ، الْمُجْتَمَعَ الَّذِي تَرَكَهُ رَسُولُ اللَّهِ لَنَا. وَتَحَوَّلَتْ الْقُلُوبُ الَّتِي كَانَ يَجِبُ أَنْ تَمْتَلِئَ بِالْأُلْفَةِ، وَالْمَحَبَّةِ، وَالْإِخْلَاصِ إِل قُلُوبٍ أَفْسَدَهَا الطّمَعُ، وَالْمَصْلَحَةُ، وَالْأَنَانِيَةُ، وَالْحِقْدُ. وَأَصْبَحَتِ الْقُلُوبُ الَّتِي أَلَّفَ بَيْنَهَا رَسُولُ الرَّحْمَةِ مَأْوًى لِلْكَرَاهِيَةِ وَالضَّغِينَةِ. أَفَلَا تَكُونُ كُلُّ هَذِهِ عَوَاقِبَ لِبُعْدِنَا عَنْ الْأُخُوَّةِ الَّتِي أَنْشَأَهَا رَسُولُ اللَّهِ قَبْلَ قُرُونٍ؟ قَالَ نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: » إنَّ أحَدَكُمْ مِرْآةُ أخِيهِ، فإن رَأى بِهِ أذَى فَلْيُمِطْهُ عَنْهُ»
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
الْأُمَّةُ الَّتِي كَانَ يَنْبَغِي أَنْ تَكُونَ مُتَّحِدَةً الْيَوْمَ مَعَ الْأَسَفِ مُمَزَّقَةٌ تَتَقَاذَفُ بِنِيرَانِ الْفِتْنَةِ، وَالْفُرْقَةِ، وَالْفَسَادِ. يَتَعَرَّضُ الْمُسْلِمُونَ فِي أَنْحَاءِ الْعَالَمِ لِلْعُنْصُرِيَّةِ، وَالظُّلْمِ، وَالِاضْطِهَادِ. اَلَّذِينَ يَسْتَغِلُّونَ صَمْتَ الْأُمَّةِ يَقْتُلُونَ الْأَبْرِيَاءَ فِي فِلَسْطِينَ وَسَائِرِ بِقَاعِ الْأَرْضِ بِقَنَابِلِهِمْ، لَا يُفَرِّقُونَ بَيْنَ رَجُلٍ وَامْرَأَةٍ، وَبَيْنَ شَيْخٍ وَطِفْلٍ. إِنَّ لِفُقْدَانِ مَعْنَى الْأُخُوَّةِ فِي حَيَاتِنَا أَسْبَابًا عَدِيدَةً؛ أَخْطَرُهَا أَنْ يَرَى كُلٌّ مِنَّا مَذْهَبَهُ وَطَرِيقَتَهُ هُوَ الْحَقُّ وَيُنْكِرَ غَيْرَهُ. وَلِذَلِكَ أَمَرَنَا اللَّهُ بِأَنْ نَتَّبِعَ الْحَقَّ وَنَسْعَى إِلَيْهِ، وَلَا نَنْتَسِبْ الْحَقَّ لِأَنْفُسِنَا، وَكُلُّنَا مَأْمُورُونَ بِاتِّبَاعِ الْحَقِّ. فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَقُولَ: “أَنَا صَاحِبُ الْحَقِّ” بَلْ يَنْبَغِي أَنْ نَسْعَى لِلْإِصْلَاحِ وَلَيْسَ الْفِتْنَةِ، وَأَنْ نُحَافِظَ عَلَى قِيَمِنَا اَلَّتِي تَجْمَعُنَا وَنَتَمَسَّكُ بِهَا. قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ اَلْكَرِيمِ: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا ۚ وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا﴾
الْأُخْوَّةُ هِيَ أَنْ تُحْضِرَ طَبَقَ حَسَاءٍ لِجَارِكَ، وَتَطْرُقَ بَابَ جَارِكَ الْمُسِنِّ وَتَسْأَلَهُ “هَلْ تَحْتَاجُ لِشَيْءٍ؟”. الْأُخُوَّةُ هِيَ أَنْ تَتَوَاصَلَ مَعَ أَقَارِبِكَ دَائِمًا وَلَيْسَ فَقَطْ فِي الْمُنَاسَبَاتِ. وَإِذَا دَخَلَ الْخِلَافُ بَيْنَنَا فَالْأَوْلَى مَنْ يَبْدَأُ بِالصُّلْحِ. الْأُخُوَّةُ هِيَ لَيْسَتْ فِي أَنْ نُؤْذِيَ بَعْضَنَا بِالْكَلِمَاتِ عَلَى مَوَاقِعِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ، بَلْ أَنْ نَنْشُرَ الْكَلِمَةَ الطَّيِّبَةَ، وَأَنْ نُدَافِعَ عَنْ كَرَامَةِ الْإِنْسَانِ وَلَوْ فِي غِيَابِهِ. تَبْنِي الْأُخُوَّةُ بِالتَّقَارُبِ بَيْنَ الْقُلُوبِ وَلَيْسَ بِالتَّبَاعُدِ بَيْنَ النَّاسِ. وَلَا نَنْسَ أَنَّ التَّفَاضُلَ عِنْدَ اللَّهِ لَيْسَ بِالنَّسَبِ، وَلَا بِالْمَالِ، وَلَا بِالْمَنْصِبِ، بَلْ بِالتَّقْوَى.
اللَّهُمَّ قَرِّبْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَاجْعَلْنَا مِنْ الَّذِينَ يُحْيُونَ هَذِهِ الْقِيَمَ.