خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة ١/ ٨/٢٠٢٥– الوعي بمسؤولياتنا

31.07.2025
Kuran Tesbih Kırmızı

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

لَقَدْ مَنَحَ اللَّهُ تَعَالَى حُقُوقًا أَسَاسِيَّةً لِكُلِّ إِنْسَانٍ، وَمِنْ بَيْنِ هَذِهِ الْحُقُوقِ حَقُّ الْخُصُوصِيَّةِ. فَإِنَّ الْجَسَدَ الَّذِي خَلَقَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى الْفِطْرَةِ السَّلِيمَةِ هُوَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ الْإِنْسَانِ وَهُوَ مَصُونٌ وَمُحَرَّمٌ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْبَشَرِ. لَقَدْ بَيَّنَ الْإِسْلَامُ ثَلَاثَ مَجَالَاتٍ رَئِيسِيَّةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْخُصُوصِيَّةِ؛ خُصُوصِيَّةِ الْجَسَدِ، وَالْمَكَانِ، وَالْمَعْلُومَاتِ. خُصُوصِيَّةُ الْجَسَدِ هِيَ تُعْطِي الإِنْسَانَ حَقًّا فِي أَنْ يَحْفَظَ نَفْسَهُ مِنْ أَيِّ اعْتِدَاءٍ جَسَدِيٍّ أَوْ عُنْفٍ بَدَنِيٍّ. خُصُوصِيَّةُ الْمَكَانِ هِيَ تُعْطِي الْإِنْسَانَ حَقَّ أَنْ يَصُونَ مِسَاحَتَهُ الشَّخْصِيَّةَ وَعَدَمَ انْتِهَاكِ حُرْمَةِ الْمَكَانِ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ. أَمَّا خُصُوصِيَّةُ الْمَعْلُومَاتِ فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ لِمَا فِيهَا مِنْ جَمْعِ مَعْلُومَاتٍ خَاصَّةٍ عَنْ شَخْصٍ مَا أَوْ حِفْظِهَا اوْ نَشْرِهَا دُونَ إِذْنِهِ وَمُوَافَقَتِهِ.

 

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

وَقَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «فإنَّ لِجَسَدِكَ عَلَيْكَ حَقًّا» يُذَكِّرُ الْإِنْسَانَ بِمَسْؤُولِيَّتِهِ تِجَاهَ بَدَنِهِ مِنْ حَيْثُ الْغِذَاءُ، وَالْمَلْبَسُ، وَحِمَايَتُهُ مِنْ الْمَرَضِ بِالْإِضَافَةِ إِلَى مُرَاعَاةِ حَقِّ الْخُصُوصِيَّةِ لِجَسَدِهِ. وَلَيْسَ مِنْ الْأَخْلَاقِ أَنْ يَدْخُلَ الْإِنْسَانُ إِلَى الْأَمَاكِنِ الْخَاصَّةِ عِنْدَ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ أَوْ سَلَامٍ، وَهَذَا مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ. فَبَيُوَتُنَا مَأْوًى لِأَهْلِ بَيْتِنَا وَمَكَانُ السَّتْرِ وَالْأَمَانِ، وَبِهِ خُصُوصِيَّةٌ لَا يَجُوزُ انْتِهَاكُهَا. وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الِاسْتِئْذَانَ قَبْلَ دُخُولِ الْبَيْتِ مَسْأَلَةً مُهِمَّةً فِي دِينِنَا، وَذُكِرَتْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ. وَأَيْضًا التَّجَسُّسُ عَلَى خُصُوصِيَّاتِ النَّاسِ مِنْ صُوَرِ انْتِهَاكِ خُصُوصِيَّةِ الْآخَرِينَ. وَقَدْ نَبَّهَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى خُطُورَةِ هَذَا الْأَمْرِ بِقَوْلِهِ: «مَنِ اطلَعَ فِي بيتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إذْنٍ، فَفَقَؤُوا عَيْنَهُ ، فَلَا دِيَةَ لَهُ ولَا قِصاصَ»

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

لَقَدْ أَصْبَحَ الْحِفَاظُ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ فِي هَذَا الزَّمَنِ مِنْ الْأُمُورِ الشَّاقَّةِ بِسَبَبِ تَطَوُّرِ التِّكْنُولُوجْيَا وَانْتِشَارِ اسْتِخْدَامِ المَنَصَّاتِ الرَّقَمِيَّةِ. لَقَدْ أَصْبَحَتْ هَذِهِ الْمَنَصَّاتُ سَاحَاتٍ يُنْشَرُ فِيهَا جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْمُحْتَوَى، سَوَاءٌ كَانَ سِرًّا وَخَاصًّا أَوْ مَا يُفْتَرَضُ أَنْ يُحَاطَ بِالسِّتْرِ وَالكِتْمَانِ. هَلْ عَرْضُ وَنَشْرُ خُصُوصِيَّةِ النَّاسِ هُوَ بِسَبَبِ التَّطَوُّرِ الرَّقَمِيِّ، أَو رَغْبَةٍ فِي نَيْلِ إعْجَابٍ، أَو بِسَبَبِ دَلِيلٍ عَلَى انْحِلَالٍ أَخْلَاقِيٍّ؟ عَلَيْنَا أَنْ نَقِفَ هُنَا وَنُحَاسِبَ أَنْفُسَنَا.

 لَقَدْ أَصْبَحَ نَشْرُ مَا يُخَالِفُ دِينَنَا وَأَخْلَاقَنَا عَلَى هَذِهِ الْمَنَصَّاتِ، وَانْتِهَاكُ خُصُوصِيَّةِ الآخَرِينَ أَمْرًا خَطِيرًا يُهَدِّدُ الْقِيَمَ وَالْمَبَادِئَ الَّتِي قَامَتْ عَلَيْهَا مُجْتَمَعَاتُنَا. فَمِنْ الضَّرُورِيِّ الِالْتِزَامُ بِالْقِيَمِ الْأَخْلَاقِيَّةِ عِنْدَ اسْتِخْدَامِ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ.

يَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نُدْرِكَ أَنَّ كُلَّ مَا نَمْلِكُهُ مِنْ سَمْعٍ وَبَصَرٍ وَفُؤَادٍ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا هُوَ أَمَانَةٌ فِي أَعْنَاقِنَا، سَنُسْأَلُ عَنْهُ يَوْمَ القِيَامَةِ، وَيَجِبُ عَلَيْنَا أَنْ نَحْفَظَ أَمَانَةَ النَّظَرِ، وَالْكَلِمَةِ، وَالْكِتَابَةِ.

 إِنَّ تَتَبُّعَ عَوْرَاتِ النَّاسِ وَكَشْفَ أَسْرَارِهِمْ وَنَشْرَهَا مِنْ الْكَبَائِرِ. يُحَذِّرُنَا اللَّهُ عَنْ فِعْلِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى فِي الْآيَةِ الَّتِي قَرَأْنَاهَا فِي بِدَايَةِ الْخُطْبَةِ: ﴿ يَا بَنٖٓي اٰدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَٓا اَخْرَجَ اَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْاٰتِهِمَاؕ اِنَّهُ يَرٰيكُمْ هُوَ وَقَبٖيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْؕ اِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطٖينَ اَوْلِيَٓاءَ لِلَّذٖينَ لَا يُؤْمِنُونَ ﴾

فَالْمُؤْمِنُ الْحَقُّ لَا يَجِبُ أَنْ يَنْسَيَ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ دَائِمًا، وَوَسَائِلُ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ جُزْءٌ مِنْ ذَلِكَ. فَمَسْؤُولِيَّتُنَا لَا تَسْقُطُ عَنَّا فِي وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ. لِذَلِكَ يَجِبُ أَنْ نَتَذَكَّرَ أَنَّ نَشْرَ أَيِّ مَقَالٍ أَوْ مَعْلُومَاتٍ عَلَى وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ دُونَ تَحْقِيقٍ يُحَمِّلُنَا مَسْؤُولِيَّةً عَظِيمَةً أَمَامَ اللَّهِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الشَّرِيفِ الَّذِي قَرْآنَاهُ بِدَايَةَ الْخُطْبَةِ: «إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ، فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ، وَلاَ تَجَسَّسُوا، وَلاَ تَحَسَّسُوا، وَلاَ تَبَاغَضُوا، وَكُونُوا إِخْوَانًا» فَلْنَبْتَعِدْ عَنْ اَلظَّنِّ اَلسَّيِّءِ، وَلْنَحْفَظْ خُصُوصِيَّاتِ اَلْآخَرِينَ، وَلْنَحْتَرِمْ حُقُوقَ بَعْضِنَا الْبَعْضِ، وَلْنَكُنْ إِخْوَةً فِي اَللَّهِ.

خُطْبَةُ الْجُمُعَة ١٨/ ٧/٢٠٢٥– الأخوة في الاسلام

 

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com