خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة
25.12.2025
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَالِكَ كُلِّ شَيْءٍ يَقُولُ فِي آيَةٍ تَتَحَدَّثُ عَنْ الزَّمَنِ: ﴿يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُّسَمًّى ۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ ۚ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ﴾ اَلْحَضَارَةُ الْإِسْلَامِيَّةُ ارْتَبَطَتْ بِتَقْوِيمٍ عَظِيمٍ؛ التَّقْوِيمِ الْهِجْرِيِّ الَّذِي اتَّخَذَتْ هِجْرَةَ النَّبِيِّ صَلَّي اللَّهُ عَلَى وَسَلَّمَ بِدَايَةً لَهُ. وَوِفْقًا لِهَذَا التَّقْوِيمِ الْهِجْرِيِّ تُحَدَّدُ الشَّعَائِرُ الْإِسْلَامِيَّةُ الدِّينِيَّةُ؛ كَالْأَشْهُرِ الْحُرُمِ، وَرَمَضَانَ، وَعِيدَيِ الْفِطْرِ وَالْأَضْحَى، وَغَيْرِهَا مِنْ الْمُنَاسَبَاتِ الْإِسْلَامِيَّةِ الْأُخْرَى. بَيْنَمَا التَّقْوِيمُ الْمِيلَادِيُّ فَهُوَ السَّائِدُ فِي عَصْرِنَا الْحَالِيِّ، نُرَتِّبُ بِهِ شُؤُونَ حَيَاتِنَا الْيَوْمِيَّةِ وَنُحَدِّدُ مِنْ خِلَالِهِ جَدْوَلَنَا الْيَوْمِيَّ وَمَوَاعِيدَنَا. يَوْمَ الْخَمِيسِ الْمُقْبِلِ نَسْتَقْبِلُ بِدَايَةَ عَامٍ مِيلَادِيٍّ جَدِيدٍ وَنُوَدِّعُ بِذَلِكَ عَاما آخَرَ. إِنَّ الزَّمَنَ يَمْضِي سَرِيعًا وَكَأَنَّهُ نَهْرٌ جَارٍ لَا يَتَوَقَّفُ، تَتَعَاقَبُ الْأَيَّامُ وَالشُّهُورُ وَالْمَوَاسِمُ حَتَّى نَجِدَ أَنْفُسَنَا فِي نِهَايَةِ الْعَامِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
عَلَيْنَا أَنْ نَعْلَمَ أَنَّ الْبَاقِيَ فِي هَذِهِ اَلدُّنْيَا هُوَ اَللَّهُ وَحْدَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. وَلَا نَنْسَ أَنَّ اَلدُّنْيَا فَانِيَةٌ وَزَائِلَةٌ، وَلَا نَفْنِ وَنُضِعْ عُمْرَنَا فِي أَتْبَاعِ اَلْأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ. يَقُولُ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَكَذَٰلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ ۚ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَىٰ﴾ اَلْإِسْرَافُ أَمْرٌ مُحَرَّمٌ فِي دِينِنَا، وَأَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْإِسْرَافِ هُوَ تَضْيِيعُ الْعُمُرِ وَإِهْدَارُ الْوَقْتِ فِي أَعْمَالٍ لَا تُقَرِّبُنَا إِلَى اللَّهِ، وَلَا تَنْفَعُنَا فِي دُنْيَانَا وَلَا فِي آخِرَتِنَا.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
الْمُؤْمِنُ لَا يُضِيعُ عُمْرَهُ فِيمَا لَا يَنْفَعُهُ. فَهُوَ أَمَانَةٌ وَنِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ وَهَبَهَا اللَّهُ لَهُ، بَلْ يَحْرِصُ عَلَى أَنْ يَعِيشَ حَيَاةً تَلِيقُ بِحِكْمَةِ الْخَلْقِ. وَهَذَا يُبْنَى عَلَى هَدْيِ الْقُرْآنِ وَسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ. إِنَّ الْحَيَاةَ الَّتِي تُرْضِي اللَّهَ بَيَّنَهَا اللَّهُ لِعِبَادِهِ فِي كِتَابِهِ، وَوَضَّحَهَا لَهُمْ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ. مَا يَجِبُ عَلَى الْعَبْدِ أَنْ يَقُومَ بِهِ هُوَ أَنْ يُرَاجِعَ طَرِيقَ حَيَاتِهِ، وَأَنْ يَسْأَلَ نَفْسَهُ هَذَا السُّؤَالَ: ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ﴾ أَيْ: إِلَى أَيْنَ تَمْضُونَ؟ وَإِنَّ مُحَاسَبَةَ الْمُؤْمِنِ لِنَفْسِهِ، وَمُرَاجَعَتَهُ لِأَعْمَالِهِ، هِيَ مِنْ وَصَايَا نَبِيِّنَا الْكَرِيمِ ﷺ، إِذْ قَالَ: «حاسِبوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبوا، وزِنوا أنفسَكم قبل أن تُوزنوا، …»
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
مَعَ بِدَايَةِ الْعَامِ الْمِيلَادِيِّ الْجَدِيدِ يَقَعُ بَعْضُ النَّاسِ فِي تَجَاوُزَاتٍ لَا تَلِيقُ بِقِيَمِنَا وَلَا بِدِينِنَا؛ حَيْثُ تُقَامُ احْتِفَالَاتٌ يُغْفَلُ فِيهَا الْحَلَالُ وَالْحَرَامُ، وَيُسَمَّى الِانْفِلَاتُ وَالْبُعْدُ عَنْ الضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ تَرْفِيهًا وَمُتْعَةً. وَيَقَعُ كَثِيرُونَ فِي الْإِسْرَافِ الَّذِي حَرَّمَهُ اللَّهُ، وَيُلْحَقُ الضَّرَرُ بِالْإِنْسَانِ وَالْبِيئَةِ، وَتَنْتَشِرُ مَظَاهِرُ التَّبْذِيرِ وَالِاسْتِهْلَاكِ الْمُفْرِطِ. أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، إِنَّ الْمُسْلِمَ لَا يَمْلِكُ الْحَقَّ فِي أَنْ يَتَجَاوَزَ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ وَآدَابَهُ، وَلَا أَنْ يُخَالِفَ أَخْلَاقَهُ وَتَعَالِيمَهُ بِحُجَّةِ الِاحْتِفَالِ أَوْ الْفَرَحِ. فَلْنَكُنْ عَلَى وَعْيٍ وَحَذَرٍ، وَلْنَبْتَعِدْ عَنْ مَظَاهِرِ الِاحْتِفَالِ الَّتِي تَتَجَاوَزُ الْحُدُودَ، وَلَا نُظْلِمْ أَنْفُسَنَا بِارْتِكَابِ الْمَعَاصِي وَالذُّنُوبِ. وَمَعَ ذَلِكَ، فَإِنَّ بَابَ الرَّحْمَةِ مَفْتُوحٌ، وَفَضْلَ اللَّهِ وَاسِعٌ، يَقُولُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا ۚ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾
نَسْأَلُ اَللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُبَلِّغَنَا أَعْوَامًا عَدِيدَةً وَنَحْنُ فِي صِحَّةٍ وَعَافِيَةٍ، وَأَنْ يَجْعَلَ مَا تَبَقَّى مِنْ أَعْمَارِنَا خَيْرًا مِمَّا مَضَى، وَأَنْ يَرْزُقَنَا الطَّاعَةَ وَالِاسْتِقَامَةَ وَحُسْنَ اَلْخِتَامِ. اَللَّهُمَّ آمِينْ.











