خطبة
التخلق بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم
22.08.2025
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
أَرْسَلَ اللَّهُ الرُّسُلَ لِلنَّاسِ لِهِدَايَتِهِمْ، وَجَعَلَهُمْ قَادَةً لِلْخَيْرِ، وَدُعَاةً إِلَى الْحَقِّ، وَشُهَدَاءَ عَلَى أَقْوَامِهِمْ، وَمُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ، وَيُنِيرُونَ الطَّرِيقَ لِلنَّاسِ، وَيَأْخُذُونَ بِأَيْدِيهمْ إِلَى صِرَاطِ اللَّهِ الْمُسْتَقِيمِ. وَقَدْ وَصَفَ رَبُّنَا عَزَّ وَجَلَّ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَعْظَمِ اَلصِّفَاتِ، فَقَالَ: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ فَهُوَ قُدْوَتُنَا الْحَسَنَةُ، وَمُبَيِّنُ كِتَابِ اللَّهِ، وَطَاعَتُهُ فَرِيضَةٌ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، بَلْ هُوَ أَوْلَى بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ.
وَنَحْنُ لَنْ نُدْرِكَ مَكَانَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَقَّ الْإِدْرَاكِ إِلَّا إِذَا تَعَرَّفْنَا عَلَى سِيرَتِهِ الْمُبَارَكَةِ. فَقَدْ جَاءَ لِيُقِيمَ التَّوْحِيدَ عَلَى الشِّرْكِ، وَالْعَدْلَ عَلَى الظُّلْمِ، وَالْأُخُوَّةَ عَلَى الْعَدَاوَةِ، وَالْمَعْرِفَةَ عَلَى الْجَهْلِ، وَالْوَحْدَةَ عَلَى الْفُرْقَةِ. وَقَدْ كَانَ مِثَالًا لِلصِّدْقِ، وَالْأَمَانَةِ، وَالْعَدْلِ، وَالرَّحْمَةِ، وَالْكَرَمِ، فَأَصْلَحَ حَيَاةَ الْفَرْدِ وَالْمُجْتَمَعِ، وَأَسَّسَ حَيَاةً جَدِيدَةً مَبْنِيَّةً عَلَى الْإِيمَانِ وَالْأَخْلَاقِ، وَقَامَ بِإِصْلَاحَاتٍ فِي شُؤُونِ الْحُكْمِ، وَرِئَاسَةِ الْأُسْرَةِ، وَالْمَجَالَاتِ الِاقْتِصَادِيَّةِ، وَالِاجْتِمَاعِيَّةِ، وَالثَّقَافِيَّةِ، وَالْأَخْلَاقِيَّةِ. وَنَتِيجَةً لِذَلِكَ تَحَوَّلَ اَلْمُجْتَمَعُ مِنْ جَاهِلِيَّةٍ يَسُودُهَا اَلِاضْطِرَابُ وَالظُّلْمُ، إِلَى مُجْتَمَعٍ يَسُودُهُ اَلْأَمْنُ وَالسَّلَامُ، وَالْعَدْلُ وَالْوِئَامُ، وَالْإِخَاءُ وَالرَّحْمَةُ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَبْلُغَ الْكَمَالَ إِلَّا إِذَا جَعَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُدْوَةً وَأُسْوَةً فِي أَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، فَيَقْتَدِي بِهِ وَيَهْتَدِي بِنُورِهِ. قَالَ اَللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿ يَٓا اَيُّهَا الَّذٖينَ اٰمَنُوا اسْتَجٖيبُوا لِلّٰهِ وَلِلرَّسُولِ اِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيٖيكُمْۚ ﴾ مَحَبَّةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تُقَالُ بِاللِّسَانِ فَقَطْ، بَلْ هِيَ طَاعَةٌ وَاتِّبَاعٌ وَتَسْلِيمٌ وَامْتِثَالٌ وَخُضُوعٌ بِالْقَلْبِ. مَنْ يُحِبُّ رَسُولَ اللَّهِ يُفَكِّرْ مِثْلَهُ، وَيَعِيشْ كَمَا عَاشَ، وَيَتَحَلَّ بِعَدْلِهِ، وَرَحْمَتِهِ، وَوَقَارِهِ. لَقَدْ كَانَ كُلُّ أَفْعَالِهِ وَأَقْوَالِهِ نُورًا يَهْدِي النَّاسَ مِنْ ظُلُمَاتِ الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ. مَنْ تَمَسَّكَ بِسُنَّتِهِ عَاشَ عَزِيزًا فِي دُنْيَاهُ وَفَازَ بِالْأَخْرَةِ.
إِنَّ اتِّبَاعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَكُونُ بِالسَّمَاعِ فَقَطْ، بَلْ بِاتِّبَاعِ أَخْلَاقِهِ الشَّرِيفَةِ وَجَعْلِ الِانْتِمَاءِ إِلَى أُمَّتِهِ أَعْظَمَ وِسَامٍ وَشَرَفٍ. وَالِاقْتِدَاءُ بِهِ يَكُونُ بِأَنْ نَعْفُوَ عَمَّنْ أَسَاءَ إِلَيْنَا بِسِعَةِ صَدْرٍ، وَنَكُونَ وَدُودِينَ، فَلَا نُؤْذِي أَحِبَّتَنَا وَأَصْدِقَائَنَا، وَأَنْ نَبْتَسِمَ بِوَجْهِ إِخْوَتِنَا، وَنَمْسَحَ عَلَى رَأْسِ الْيَتِيمِ، وَنَصْبِرَ عَلَى الشَّدَائِدِ وَالظُّلْمِ، وَنُرْفِقَ أَهْلَنَا، وَجِيرَانَنَا، وَأَصْحَابَنَا كَمَا كَانَ هُوَ رَحِيمًا وَفِيًّا كَرِيمًا عَطُوفًا. ذَلِكَ هُوَ الْحُبُّ الصَّادِقُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. فَمَنْ سَارَ عَلَى نَهْجِهِ وَاتَّخَذَ حَيَاتَهُ قُدْوَةً فَازَ بِالدُّنْيَا وَالْأَخِرَةِ.
ثُمَّ نَخْتِمُ بِخَيْرِ مَا نَخْتِمُ بِهِ، بِقَوْلِ الْمُصْطَفَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ أُمَّتِي يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ أَبَى». قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَنْ يَأْبَى؟ قَالَ: «مَنْ أَطَاعَنِي دَخَلَ الْجَنَّةَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ أَبَى».
اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ اَلْأَطْهَارِ، وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَذُرِّيَّتِهِ وَالتَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ اَلدِّينِ