خطبة

الدعوة إلى الضمير

03.11.2023
Tesbih Yeşil Siyah

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ

 )  يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَۙ ﴿٨٨﴾ اِلَّا مَنْ اَتَى اللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلٖيمٍؕ

 عَنْ أَنَس قَالَ النَّبِىُّ ﷺ:

« […] إنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ الرَّحْمنِ يُقلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ.»

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

(الوِجْدَانُ) الَّذِي يَعْنِي الضَّمِيرِ كَلِمَةٌ تُشِيرُ إِلَى مَا يَجِدُهُ الْإِنْسَانُ فِي قَلْبِهِ مِنَ الْمَشَاعِر. فَكَمَا نَجِدُ عَلَامَاتٍ كَثِيرَةً عَلَى الْخَلْقِ فِي الدُّنْيَا، نَجِد أيضًا عَلَامَاتٍ لَا حَصْرَ لَهَا فِي دَاخِلِنَا، أَيْ فِي “ضَمِيرِنَا”. لِأَنَّ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى الْوَاجِدُ، الَّذِي وَهَبَ لَنَا هَذَا الضَّمِيرَ الَّذِي بِوَسِيلَتِهِ نَرَي الْخَيْرَ وَالْجَمَالَ.

 نَجِدُ فِي قُلُوبِنَا الرَّحْمَةَ بِالْأَبْنَاءِ، وَتَقْدِيرَ الْأُمَّهَاتِ، وَالْمَوَدَّةَ لِلْأَزْوَاجِ. إنَّ الضَّمِيرَ هُوَ الْخَيْرُ الَّذِي نَجِدُهُ فِي مَشَاعِرِنَا وَأفْكَارِنَا دُونَ أيِّ تَأْثِيرٍ خَارِجِيٍّ. وَلِهَذَا السَّبَبِ أَوْصَى نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَصْحَابَهُ أَنْ يَحْفَظُوا قُلُوبَهَم لِلْخَيْرِ، وَأَوْصَاهُم أَيْضًا بِالرُّجُوعِ إلَيَ ضَمَائِرِهِم عِنْدَ اتِّخَاذِ القَراَرَاتِ. رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ نَبِيَّنَا (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ) قَالَ:«إنَّ الْقُلُوبَ بَيْنَ إصْبَعَيْنِ مِنْ أصَابِعِ الرَّحْمنِ يُقلِّبُهَا كَيْفَ يَشَاءُ.»

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

فِي حَالَةِ انْعِدَامِ الْمُرْشِدٍ يَصِيرُ الضَّمِيرُ هُوَ مُرْشِدٌ الْإِنْسَان. وَهُوَ لَيْسَ مُرْشِدًا لِلْمُؤْمِنِينَ فَقَط، بَلْ إنَّهُ دَلِيلٌ، ومُرْشِدٌ لِأُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ تَسْتَنِرْ قُلُوبُهُم بِنُورِ الْإِيمَانِ أَيْضًا. لَقَد خُلِقَ الضَّمِيرُ كَمِقْيَاسٍ فِي فِطْرَةِ كُلِّ إنْسَانٍ. وَهَذَا الْمِقْيَاسُ هُوَ الْقُدْرَةُ عَلَى تَمْيِيزِ الْخَيْرِ مِنْ الشَّرِّ وَالْحَقِّ ‎من الْبَاطِلِ. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: “‎فَاَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوٰاهَاۙ” وَيُشِيرُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ إلَى أَن كُلَّ إنْسَانٍ لَدَيْهِ قُدْرَةٌ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ الَّذِي بِدَاخِلِهِ. سُئِلَ نَبِيُّنَا “مَا هُوَ الذَّنْبُ“؟ فَقَال: الشَّيْءُ الَّذِي يُؤَنِّبُ ضَمِيرَكَ. ويُفَسَّرُ سَعْيُ الْإِنْسَانِ لِلشَّرّ بِأَنَّهُ تَصَرُّفٌ مُخَالِفٌ لِلضَّمِير. يَقُولُ الْإِمَامُ الْغَزَالِيُّ أَنَّ الْإِنْسَانَ بِعَقْلِهِ تُتَاحُ لَهُ فُرْصَةُ اخْتِيَارِ الْخَيْرِ فِي الْأَحْدَاثِ الَّتِي يُوَاجِهُهَا. بِمَعْنًى آخَرَ إنَّ كُلَّ إنْسَانٍ بِفِطْرَتِهِ لَدَيْهِ الْقُدْرَةُ عَلَى التَّمْيِيزِ بَيْنَ الظُّلْمِ وَالْعَدَالَةِ. فَالضَّمِيرُ هُوَ شَيْءٌ مَعْنَوِيٌّ وَهَبَهُ اللَّهِ تَعَالَى لِلْإِنْسَانِ يُوَجِّهُهُ نَحْوَ الْخَيْرِ.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

إنَّ الْإِنْسَانَ يُعَكِّسُ مَا يَجِدُهُ فِي ضَمِيرِهِ إلَى حَيَاتِهِ، وَيَصِلُ إلَى الْآخِرَةِ بِمَا يَجْلِبُهُ لِحَيَاتِه. وَنَحْنُ الْآنَ يُؤَنِّبُنَا ضَمِيرُنَا بِسَبَبِ أُولَئِكَ الَّذِينَ أَوْقَدُوا الْحُرُوبَ خِلَالَ تَارِيخِ الْبَشَرِيَّةِ، وَلَمْ يَسْتَمِعُوا لِصَوْتِ ضَمِيرِهِم، فَإِنَّهُم يُدَانُونَ فِي ضَمِيرِنَا الْيَوْم. وَعَلَى الرَّغْمِ مِنْ أَنَّ ضَمَائِرَهُم دَعَتْهُمْ إِلَى اللَّهِ، إلَّا أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا أَصْلَهُم بإنْكَارِهِم هَذِهِ الدَّعْوَةَ. وَالْيَوْمَ، فَإِنَّ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُغَمِّضُونَ أَعْيُنَهُم، ويَحْجُبُونَ قُلُوبَهُمْ عَنِ الظُّلْمِ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الشَّرْقِ الأوْسَطِ وَكُلِّ الْمَنَاطِقِ الجُغْرَافِيَّةِ الْأُخْرَى، فَإِنَّهُمْ فِي الْوَاقِعِ يَصُمُّونَ آذَانَهُم عَن نِدَاءِ ضَمِيرِهِم. إذَا سَمِعْتَ نِدَاءَ اللَّهِ فِي ضَمِيرِكَ، فَاعْلَمْ أَنَّكَ قَدْ سَمِعْتَ نِدَاءَ الْأَطْفَالِ الْأَيْتَامِ وَالْأُمَّهَاتِ اللَّاتِي فَقَدْنَ أطْفَالَهُنَّ. وَنَحْنُ الْيَوْمَ نُنَادِي كُلَّ مَنْ يُنْكِرُ أَصْلَهُ: إذَا كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَة، فَاعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ مَا تَجِدُونَهُ الْيَوْمَ فِي ضَمِيرِكُم، سَتَجِدُونَهُ فِي الْآخِرَةِ. ولِنَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَۙ ﴿٨٨﴾ اِلَّا مَنْ اَتَى اللّٰهَ بِقَلْبٍ سَلٖيمٍؕ﴾

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

‏ وَغَدًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَنْ يَكُونَ النَّصْرُ بِالْقُوَّةِ الَّتِي يَمْتَلِكُهَا فِي هَذَا الْعَالَمُ، بَلْ سَيَكُونُ النَّصْرُ الْحَقِيقِيُّ بِالْوُصُولِ إِلَى اللَّهِ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ. وَصَاحِبُ الْقَلْبِ السَّلِيمِ هُوَ صَاحِبُ الضَّمِيرِ الَّذِي تَرَكَ الظُّلْمَ وَأَقَامَ الْعَدْلَ. وَلِذَلِكَ فَإِنَّنَا نَدْعُو كُلَّ النَّاسِ إلَى الاِسْتِمَاعِ لِصَوْتِ ضَمِيرِهِم، وَنَدْعُو الْجَمِيعَ إِلَى الْقِيَامِ بِمَا يَقْتَضِيهِ ضَمِيرُنَا، أَعْنِي إِزالَةَ الظُّلْمِ مِنَ الْأَرْضِ وَإِحْيَاءَ الْعَدَالَةِ فِيهَا. وَنَدْعُو اللّهَ قَائِلِين: اللَّهُمَّ يَا مُغَيِّرَ الْأَحْوَالِ اجْعَلْنَا مِمَّنْ يَسْتَمَعُونَ لِصَوْتَ ضَمِيرِهِم وَثَبِّتْ قُلُوبَنَا وَاهْدِنَا.

 آمِين.

خُطْبَة

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com