خطبة

تَزْكِيَةُ النَّفْسِ

29.02.2024
Kuran Tesbih Kırmızı

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ 

﴿ وَمَٓا اُبَرِّئُ نَفْسٖيۚ اِنَّ النَّفْسَ لَاَمَّارَةٌ بِالسُّٓوءِ اِلَّا مَا رَحِمَ رَبّٖيؕ اِنَّ رَبّٖي غَفُورٌ رَحٖيمٌ ﴿٥٣﴾

عَنْ شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:

 « الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ »

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

إنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي خُلِقَ عَلَى أَنَّهُ أَشْرَفُ الْمَخْلُوقَاتِ هُوَ كَائِنٌ مُكَوَّنٌ مِنْ جَسَدٍ وَرُوحٍ. بِالْإِضَافَةِ إلَى وُجُودِ جَسَدِ الْإِنْسَانِ لَدَيْهِ أَيْضًا رُوحٌ هِيَ أَسَاسُ وُجُودِهِ، وَلَكِنْ لَا يُمْكِنُنَا رُؤْيَتُهَا بِالْعَيْنِ الْمُجَرَّدَةِ. كَمَا أَنَّ الصِّحَّةَ الْبَدَنِيَّةَ ضَرُورِيَّةٌ لِاسْتِمْرَارِ حَيَاتِنَا؛ فَإِنَّ الصِّحَّةَ النَّفْسِيَّةَ أَيْضًا ضَرُورِيَّةٌ. دِينُنَا الْإِسْلَامُ الْعَظِيمُ يُعْطِى أَهَمِّيَّةً كَبِيرَةً لِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ وَتَنْقِيَةِ الْقَلْبِ مِنْ أَجْلِ تَعْزِيزِ رُوحِنَا الْمَعْنَوِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّة. إنَّ اتِّبَاعَ الْغَرِيزَةِ وَالْخُضُوعِ لِلشَّهْوَةِ وَرَغَبَاتِ النَّفْسِ الْبَشَرِيَّةِ، سَيُنْزِلُ الْإِنْسَانَ الَّذِي خُلِقَ فِي مُسْتَوَى أَعْلَى إلَى مُسْتَوَى أَسْفَلِ السَّافِلِينَ. بَيْنَمَا تَهْذِيبُ النَّفْسِ يَقُودُ الْإِنْسَانَ إلَى الْكَمَالِ وَهُوَ غَايَةُ الْوُجُودِ.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

إنَّ الْجِهَادَ فِي الْإِسْلَامِ مِنْ أَهَمِّ الْفَرَائِضِ الَّتِي فَرَضَهَا اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. الْجِهَادُ هُوَ السَّعْيُ وَالْمُحَاوَلَةُ لِجَعْل الْخَيْرِ وَالْحَقِّ هُوَ الْحَاكِمُ فِي الْحَيَاةِ. وَكُلُّ مُسْلِمٍ مَأْمُورٌ بِالْجِهَادِ عَلَى قَدْرِ اسْتِطَاعَتِهِ. مِنْ نَاحِيَةِ المَسْؤُولِيَّات الِاجْتِمَاعِيَّةِ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ مُكَلَّفٌ بِالْعَمَلِ لِصَالِحِ الْإِنْسَانِيَّةِ، وبِالْإِضَافَةِ إلَى الْحَيَاةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ فَإِنَّ لِلْجِهَادِ أَيْضًا جَانِبًا فَرْدِيًّا. بِنَاءً عَلَى هَذَا قَالَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْجِهَادُ الْأَكْبَرُ هُوَ جِهَادُ النَّفْس إنَّ مُقَاوَمَةَ رَغَبَاتِ النَّفْسِ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا، وَاَلَّتِي تَقُودُنَا إِلَى الضَّلَالِ هُوَ أَعْظَمُ جِهَادٍ لِلْمُؤْمِن. لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إلَى جِهَادٍ شَدِيدٍ مِنْ أَجْلِ تَهْذِيبِ النَّفْسِ الَّتِي هِيَ مَصْدَرُ كُلِّ الذُّنُوبِ. الَّذِينَ يَنْتَصِرُونَ بِهَذَا الْجِهَادِ هُمْ الَّذِينَ يَلْجَؤُونَ إِلَى اللَّهِ وَيُحَاوِلُونَ الْعَيْشَ بِالشَّكْلِ الَّذِي أَمَرَهُمْ اللَّهُ بِهِ.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

وَفِي الْقُرْانِ الْكَرِيمِ أَشَارَ يُوسُف عَلَيْهِ السَّلَامُ إلَى أَنَّنَا لَا نَسْتَطِيعُ تَهْذِيبَ نُفُوسِنَا إلَّا بِمَعْرِفَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِقَوْلِهِ: (وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي ۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّي ۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَّحِيمٌ) وَخَاصَّةً فِي يَوْمِنَا هَذَا الَّذِي تَكُونُ فِيهِ النَّفْسُ مُدَلَّلَةً بِكُلِّ الْفُرَصِ وَالْإِمْكَانِيَّاتِ، فَإِنَّ تَهْذِيبَ النَّفْسِ هُوَ فَضِيلَةٌ إِسْلَامِيَّةٌ مُهِمَّةٌ جِدًّا. فِي عَصْرِنَا هَذَا الَّذِي تَسُودُ فِيهِ الرَّغْبَةُ الَّتِي لَا نِهَايَةَ لَهَا فِي الشِّرَاءِ وَالِاسْتِهْلَاكِ، فَإِنَّنَا نُهْدِرُ بِشَكْلٍ غَيْرِ مَسْؤُولٍ جَمِيعَ مَوَارِدِ الطَّبِيعَةِ الَّتِي مَعَنَا. إذَا لَمْ نُوقِفْ رَغَبَاتِنَا الَّتِي لَا تَنْتَهِي، وَشَغَفَ الصَّرْفِ الَّذِي يَخْرُجُ عَنْ السَّيْطَرَةِ، فَمِنَ الْمُحَتَّمِ أَنْ يَتَدَهْوَرَ النِّظَامُ البِيئِيّ لِلْأَرْضِ. مِنْ الْمُمْكِنِ بِتَهْذِيب النَّفْسِ وَضْعُ حَدٍّ لِجُنُونِ الصَّرْفِ وَالشِّرَاءِ وَالِاسْتِهْلَاكِ الْمُبَالَغِ فِيهِ، وَتَجَنُّبُ الْهَدْرِ، وَأنْ نَكُونَ مُدَبِّرِينَ.

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

نَحْنُ عَلَى أَبْوَابِ شَهْرِ رَمَضَانَ الْكَرِيمِ. فَلَنْجْتَهِدْ فِي التَّقَرُّبِ إلَى اللهِ، وتَهْذِيبِ رُوحِنَا، وَنَجْعَلْ رُوحَنَا غَنِيَّةً بِالذِّكْرِ. وَهَذَا فَقَطْ مُمْكِنٌ بِتَزْكِيَةِ النَّفْسِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ، وَعَمِلَ لِما بَعْدَ الْموْتِ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَه هَواهَا، وتمَنَّى عَلَى اللَّهِ. فَلْنَهْتَمَّ بِتَهْذِيبِ أَنْفُسِنَا مِنْ أَجْلِ السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْاَخِرَةِ وَحَتَّى نَكُونَ عِبَادًا يَرْضَى اللَّهُ عَنْهُمْ، ولْنُزَيِّنْ أَنْفُسَنَا بِثَوْبِ الزُّهْدِ وَالتَّقْوَى. وَلْنَخْتِمْ خُطْبَتَنَا بِدُعَاءِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ وَالْبُخْلِ وَالْجُبْنِ وَالْهَرَمِ وَعَذَابِ الْقَبْرِ اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا اللَّهُمَّ إِنِّى أَعُوذُ بِكَ مِنْ قَلْبٍ لاَ يَخْشَعُ وَمِنْ نَفْسٍ لاَ تَشْبَعُ وَعِلْمٍ لاَ يَنْفَعُ وَدَعْوَةٍ لاَ يُسْتَجَابُ لَهَا.

خُطْبَة

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com