خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: التَّقْوَى

08.02.2024
Koran Tasbih Grün

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الَّذِي خَلَقَ كُلَّ الْمَوْجُودَاتِ مِنَ الْعَدَمِ يُبَيِّنُ لَنَا سَبَبَ خَلْقِنَا بِتِلْكَ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْاِنْسَ اِلَّا لِيَعْبُدُونِ). إنَّ الْإِنْسَانَ بُعِثَ إلَى هَذِهِ الدُّنْيَا مِنْ أَجْلِ أَنَّ يَعْرِفَ اللَّهَ، وَلَا يَعْبُدَ إِلَّا إِيَّاهُ. وَأَبْرَزُ مُؤَشِّرٍ لِلْعُبُودِيَّةِ هُوَ التَّقْوَى بِلَا شَكٍّ. غَالِبًا نَجِدُ عُلَمَاءَ الْإِسْلَامِ أَنَّهُمْ فَسَّرُوا التَّقْوَى بِمَعْنَى الْخَوْفِ مِنَ اللَّهِ. ومَعَ أَنَّ كَلِمَةَ التَّقْوَى تَشْمَلُ مَعْنَى الْخَشْيَةِ فَلَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْخَوْفَ مِنْ شَيْءٍ مُخِيفٍ وَمُرْعِبٍ، بَلْ هُوَ الْخَشْيَةُ وَاجْتِنَابُ عِقَابِ اللَّهِ، وَالشُّعُورُ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ وَالِاحْتِرَامِ تُجَاهَ اللَّهِ. وَبِنَاءً عَلَى هَذَا قَدْ فَسَّرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ التَّقْوَى هُوَ الشُّعُورُ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ تُجَاهَ اللَّه. وَالشُّعُورُ بِالْمَسْؤُولِيَّةِ هَذَا يَتَحَقَّقُ بِالْمُحَاوَلَةِ لِلْحُصُولِ عَلَى رِضَى اللَّهِ بِطَاعَتِهِ، وَالِاجْتِنَابِ مِنْ عَذَابِهِ. وَفِي هَذِهِ الدُّنْيَا الَّتِي بُعِثْنَا إلَيْهَا مِنْ أَجْلِ الِامْتِحَانِ يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنَّ يَكُونَ مُتَّقِيًا. وَيَقُولُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِعِبَادِهِ: (يَٓا اَيُّهَا الَّذٖينَ اٰمَنُوا اتَّقُوا اللّٰهَ حَقَّ تُقَاتِهٖ وَلَا تَمُوتُنَّ اِلَّا وَاَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

التَّقْوَى هُوَ الْتِزَامُ طَاعَةِ اللَّهِ، وَاجْتِنَابُ مَا حَرَّمَ، وَوِقَايَةُ النَّفْسِ مِنْ عِصْيَانِ أَوَامِرِ اللَّهِ وَنَوَاهِيهِ، وَمَا يَمْنَعُ رِضَاه. التَّقْوَى هُوَ الْمِقْيَاسُ الْوَحِيدُ الَّذِي يُكْسِبُنَا قِيمَةً عِنْدَ اللَّهِ. إِنَّ مِيزَانَ التَّفَاضُلِ بَيْنَ النَّاسِ فِي دِينِنَا لَيْس الْمَنْصِبُ، وَلَا المَالُ، وَلَا الْعِرْقُ، وَلَا الْجِنْسُ. وَهَذِهِ الْآيَةُ تُشِيرُ إلَيْنَا بِهَذِهِ الْحَقِيقَةِ: (اِنَّ اَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّٰهِ اَتْقٰيكُمْؕ اِنَّ اللّٰهَ عَلٖيمٌ خَبٖيرٌ) إِنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ فِي الْإِسْلَامِ هُوَ مَنْ أَكْرَمَهُ اللَّهُ بِالإِيمَانِ، وَذُو قَلْبٍ سَلِيمٍ، وَعِنْدَه أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ، واللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مَعَ هَؤُلَاءِ الْأَتْقِيَاءِ وَهُوَ مَعَهُمْ أَيْنَمَا كَانُوا. وَأَعَدَّ لِلْمُتَّقِينَ الْجَنَّةَ الَّتِي فِيهَا نِعَمٌ لَا تُعَدُّ وَلَا تُحْصَى. 

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

وَكَمَا جَاءَ فِي الْقُرْانِ الْكَرِيمِ الَّذِي أُرْسِلَ هِدَايَةً لِلْبَشَرِيَّة: (يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ). إنَّ أَجْمَلَ لِبَاسٍ يَلِيقُ بِالْمُؤْمِنِ هُوَ لِبَاسُ التَّقْوَى، وأَهَمَّ دَلِيلٍ لِلتَّقْوَى هُوَ الْمَسْؤُولِيَّةُ الَّتِي نَحْمِلُهَا أَمَامَ اللَّهِ أَوَّلًا، ثُمَّ تُجَاهَ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْعَالَمِ. لَا يَكُونُ الْمُسْلِمُ أَبَدًا بِدُونِ إحْسَاسٍ تُجَاهَ الْأَحْدَاثِ الَّتِي تَمُرُّ حَوْلَهُ، وَلَا يَتَجَاهَلُ الْمُسْلِمُ أَبَدًا الظُّلْمَ وَالْقَسْوَةَ الْمَوْجُودَةَ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، وَفِي كُلِّ بُقْعَةٍ مِنْ الْعَالَمِ. وَيَسْعَى الْمُسْلِمُ جَاهِدًا إلَى إقَامَةِ السَّلَامِ وَالْعَدَالَةِ وَفْقًا لِلْحُدُودِ الْقَانُونِيَّةِ فِي الْأَرْضِ. وَيَهْتَمُّ الْمُسْلِمُ بِهُمُومِ الْفُقَرَاءِ وَالْمَحْرُومِينَ، وَيُحَاوِلُ أَنْ يَهْتَمَّ بِهِمْ مِنَ النَّاحِيَةِ الْمَادِّيَّةِ وَالْمَعْنَوِيَّةِ. وَيُحَاوِلُ جَاهِدًا لِتَحْقِيقِ الْمُشَارَكَةِ الْعَادِلَةِ، وَالْعَدَالَةِ الِاجْتِمَاعِيَّةِ مِنَ النَّاحِيَةِ الِاقْتِصَادِيَّةِ. وَيُحَاوِلُ أَيْضًا الْمُؤْمِنُ مَنْعَ الْخَلَلِ البِيئِيِّ الَّذِي يَحْدُثُ بِسَبَبِ الْإِنْتَاجِ غَيْرِ الْمَسْؤُولِ، وَالِاسْتِهْلَاكِ الْمُفْرِطِ فِي الْأَرْضِ الَّتِي هِيَ أَمَانَةٌ عِنْدَ الْإِنْسَانِ.

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

قَالَ قُدْوَتُنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «…اللَّهُمَّ آتِ نَفْسِى تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاَهَا…» وَخَاصَّةً فِي هَذِهِ الْفَتْرَةِ الَّتِي يَقْتَرِبُ فِيهَا شَهْرُ رَمَضَانَ الْمُبَارَكُ فَلَنَنْوِ أنْ نَلْبِسَ لِبَاسَ التَّقْوَى، وَلْنَتَحَرَّكْ بِوَعْيٍ بِمَسْؤُولِيَّاتِنَا تُجَاهَ اللَّه، وَتُجَاهَ الْإِنْسَانِيَّةِ، وَالْكَوْنِ. وَلْنَخْتِمْ خُطْبَتَنَا بِدُعَاءِ حَبِيبِنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اللَّهُمَّ إِنِي أَسْأَلُكَ الهُدَى، وَالتُّقَى، وَالعَفَافَ، والغِنَى”

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: التَّقْوَى

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com