خطبة
خُطْبَةُ الْجُمُعَة: القرآن: هدى وبشرى للمؤمنين
02.05.2025
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ بِنِعَمٍ عَظِيمَةٍ كَالْعَقْلِ وَالضَّمِيرِ، لِيَهْتَدِيَ بِهِمَا إِلَى الْحَقِّ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ. وَأَرْسَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ الْوَحْيَ عَنْ طَرِيقِ أَنْبِيَاءِهِ لِيَكُونَ طَرِيقًا لِلْهِدَايَةِ. وَكَانَ الْوَحْيُ فِي كُلِّ أُمَّةٍ نُورًا حَتَّى جَاءَ خَاتَمُ الْكُتُبِ الْقُرْآنُ الْكَرِيمُ، فَصَارَ هُدًى وَرَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ. هَذَا الْكِتَابُ الْمُبَارَكُ هُوَ بَحْرٌ لَا سَاحِلَ لَهُ مِنَ النُّورِ وَالْهِدَايَةِ. وَقَدْ وَصَفَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ بِقَوْلِهِ: ﴿كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ﴾ فَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ بَحْرٌ مِنْ الْخَيْرِ يَسْتَفِيدُ مِنْهُ كُلُّ مَنْ أَقْبَلَ عَلَيْهِ بِعَقْلٍ وَقَلْبٍ صَادِقٍ. بَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَوْنِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ شِفَاءً وَخَيْرًا رَفِيقًا بِقَوْلِهِ: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْأُتْرُجَّةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ، لَا رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ الْمُنَافِقِ الَّذِي لَا يَقْرَأُ الْقُرْآنَ كَمَثَلِ الْحَنْظَلَةِ، لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ» وَنَفْهَمُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الْمُؤْمِنَ الْقَارِئَ لِلْقُرْآنِ الْعَامِلَ بِهِ يَفِيضُ نُورًا وَرَحْمَةً عَلَى مَنْ حَوْلَهُ بِأَخْلَاقِهِ، وَأَقْوَالِهِ، وَأَفْعَالِهِ، وَبِذَلِكَ يَنْتَفِعُ هُوَ وَغَيْرُهُ مِنْ جَمَالِ تَأْثِيرِ الْقُرْآنِ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّ الْقُرْآنَ لَا يَقْتَصِرُ فَقَطْ بِزَمَنِ النَّبِيِّ؛ بَلْ هُوَ كِتَابٌ خَالِدٌ لِكُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ. الْقُرْآنُ لَا يَقْدُمُ مَعَ مُرُورِ الْوَقْتِ؛ بَلْ دَائِمًا يَقُودُ الْأُمَّةَ لِلْأَمَامِ وَلَيْسَ لِلْخَلْفِ، وَلَا يَتَعَارَضُ مَعَ الْعِلْمِ وَالتَّطَوُّرِ؛ بَلْ يَنْسَجِمُ مَعَهُ. فَكُلُّ مَا جَاءَ فِيهِ مِنْ أَوَامِرٍ وَنَوَاهِيَ، مِنْ حَلَالٍ وَحَرَامٍ، وَمِنْ أَمْثَالٍ، وَعِبَرٍ، وَمِنْ حَقَائِقَ عَنِ اللَّهِ، وَسَائِرِ الْمَخْلُوقَاتِ كُلُّ هَذِهِ ثَوَابِتُ لَا تَتَغَيَّرُ مَعَ مُرُورِ الزَّمَنِ. وَغَايَتُهُ أَنْ يُخْرِجَ النَّاسَ مِنْ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَيُهْدِيَهُمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ مِلَّتِهِمْ وَعِرَقِهِمْ. وَمِنْ أَعْظَمِ مَنْ يَقُومُ بِخِدْمَةِ هَذَا الْهَدَفِ السَّامِي هُمْ حَفَظَةُ كِتَابِ اللَّهِ، الَّذِينَ يَحْفَظُونَ الْقُرْآنَ فِي صُدُورِهِمْ وَيُحْيُونَهُ فِي قُلُوبِهِمْ. فَهُمْ لَا يَكْتَفُونَ بِتِلَاوَتِهِ بِأَلْسِنَتِهِمْ، بَلْ يَعِيشُونَهُ فِي سُلُوكِهِمْ وَأَخْلَاقِهِمْ، وَيُكُونُونَ هُداَةً لِلنَّاسِ. حِفْظُ الْقُرْآنِ أَمَانَةٌ عَظِيمَةٌ وَمَسْؤُولِيَّةٌ جَلِيلَةٌ، بِهَا يُصَانُ كَلَامُ اللَّهِ، وَتُحْفَظُ هُوِيَّةُ الْأُمَّةِ، وَلِذَلِكَ فَإِنَّ حَفَظَةَ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ هُمْ أَمَلُ الْأُمَّةِ وَحُرَّاسُ الدِّينِ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
إِنَّ حِفْظَ الْقُرْآنِ وَسِيلَةٌ لِرِفْعَةِ الْعَبْدِ وَشَرَفِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. أَهْلُ الْقُرْآنِ هُمْ عِبَادٌ اصْطَفَاهُمْ اللَّهُ لِحَمْلِ كَلَامِهِ. وَقَدْ أَثْنَى النَّبِيُّ عَلَى الْحُفَّاظِ، وَبَيَّنَ مَكَانَتَهُمْ فِي الْمُجْتَمَعِ. فَقَالَ: «إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا، وَيَضَعُ به آخَرِينَ» نَشْكُرُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ وَفَّقَنَا لِخِدْمَةِ كِتَابِ اللَّهِ فِي شَتَّى بِقَاعِ الْأَرْضِ مِنْ خِلَالِ دَوْرَاتِ التَّحْفِيظِ، وَالْمَرَاكِزِ التَّعْلِيمِيَّةِ، وَالْمَسَاجِدِ، وَالْجَمْعِيَّاتِ الَّتِي تَبْذُلُ قُصَارَى جُهْدِهَا فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ. وَكَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّ جَمْعِيَّتَنَا مُنْذُ وَقْتٍ طَوِيلٍ تُنَظِّمُ مُسَابَقَاتٍ فِي شَتَّى الْمَجَالَاتِ. وَقَبْلَ ثَلَاثِ سَنَوَاتٍ أَطْلَقْنَا أَوَّلَ مُسَابَقَةٍ في أُورُبَّا لِتَحْفِيظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَقَدْ شَارَكَ فِيهَا أَبْنَاؤُنَا الَّذِينَ أَتَمُّوا حِفْظَهُمْ فِي مُؤَسَّسَاتِنَا، فَكَانَتْ هَذِهِ الْمُسَابَقَةُ أَمَلًا لِمُسْتَقْبَلٍ مُشْرِقٍ. وَغَدًا بِفَضْلِ اللَّهِ سَنُقِيمُ الْمُسَابَقَةَ الثَّالِثَةَ لِتَحْفِيظِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ عَلَى مُسْتَوَى أُورُبَّا فِي مَدِينَةِ “دُويِسْبُورْغْ”
نَدْعُوكُمْ أَيُّهَا الْإخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ لِحُضُورِ هَذَا الْحَدَثِ.
نَسْأَلُ اللَّهَ أَنْ يُبَارِكَ فِي جُمْعَتِنَا وَيَرْزُقَنَا الثَّبَاتَ عَلَى طَرِيقِ الْقُرْآنِ، وَأَنْ يَجْعَلَنَا مِنْ أَهْلِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.