خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: اَلِاعْتِكَاف: وَقْتُ الِانْقِطَاعِ لِلْعِبَادَةِ وَالتَّفَكُّر

06.04.2023
Rahle

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

‎إِنَّنَا نَقْتَرِبُ مِنَ الْعَشْرِ اَلْأَوَاخِرِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ الْمُبَارَك.‏ وَعَنْ أَهَمِّيَّةِ هَذِهِ الْأَيَّامِ قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ؐ إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ، أَحْيَا اللَّيْلَ، وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ، وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَر»‏.[1]

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

إِنَّ فِي الْإِسْلَامِ عِبَادَةً تُسَمَّى “اَلِاعْتِكَاف”. وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ؐ يَذْهَبُ إِلَى غَارِ حِرَاءَ، وَيَنْقَطِعُ فِيهِ عَنِ ‏النَّاسِ، فَيَشْتَغِلُ بِالْعِبَادَةِ وَالتَّفَكُّر. فَحَتَّى قَبْلَ بِعْثَتِهِ كَانَ النَّبِيُّ ؐ يَشْعُرُ بِالْحَاجَةِ إِلَى أَنْ يَعْتَكِفَ بَيْنَ الْحِينِ وَالْآخَرِ، لِيَخْلُوَ بِنَفْسِهِ ‏وَيَتَفَكَّر. وَالِاعْتِكَافُ هُوَ أَنْ يَمْكُثَ الْإِنْسَانُ فِي الْمَسْجِدِ وَلَا يَخْرُجَ مِنْهَا لِفَتْرَةٍ مُعَيَّنَةٍ بِنِيَّةِ الْعِبَادَة.‎

وَالِاعْتِكَافُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّة. قال تعالى: ﴿وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ﴾.[2]  وَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ؐ يَعْتَكِفُ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ، حَتَّى تَوَّفَاهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلّ، ثُمَّ اعْتَكَفَ أَزْوَاجُهُ بَعْدَه»‏.[3]

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

إِنَّ الْحَيَاةَ تَجْرِي وَالْأَوْقَاتُ تَطِير. وَمِنَ الْأَهَمِّيَّةِ بِمَكَانٍ أَنْ يَخْرُجَ الْإِنْسَانُ مِنْ خِضَمِّ مَشَاغِلِ الْحَيَاةِ هَذِهِ، لِيَخْلُوَ بِنَفْسِهِ، ‏فَيُرَاجِعَهَا وَيُعِيدَ حِسَابَاتِه.‏ وَلَعَلَّ أَنْفَعَ مَا يُعِينُهُ عَلَى ذَلِكَ هُوَ الْاِعْتِكَاف، اَلَّذِي يَنْعَزِلُ فِيهِ عَنِ الْعَالَمِ، وَيَتَوَجَّهُ فِيهِ بِكُلِّيَّتِهِ إِلَى مَوْلَاهُ، وَيَنْشَغِلُ فِيهِ ‏بِكَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِالذِّكْرِ وَالصَّلَاة. ‏ وَالْاِعْتِكَافَ عِبَادَةٌ قَدِيمَةٌ كَانَتْ تُمَارَسُ حَتَّى فِي عَهْدِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام. قَالَ تَعَالَى: ﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ۖ وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾.[4]

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

إِنَّ دِينَنَا لَا يَأْمُرُنَا بأَنْ نَقْضِيَ حَيَاتَنَا فِي عُزْلَةٍ تَامَّةٍ عَنِ الْخَلْقِ، وَأَنْ نَقْطَعَ الْاِتِّصَالَ بِالنَّاسِ، وَنَمْلَأَ أَيَّامَنَا بِعِبَادَاتٍ مُعَيَّنَةٍ ‏فَقَط. بَلْ إِنَّ الْإِسْلَامَ يَنْهَى عَنْ ذَلِكَ.‏ وَمَعَ ذَلِكَ أَرْشَدَنَا اللَّهُ تَعَالَى إِلَى هَذَا النَّوْعِ مِنَ الْخَلْوَةِ، لِتَكُونَ فُرْصَةً لَنَا لِلتَّفَكُّرِ وَمُحَاسَبَةِ النَّفْسِ، وَلِتَصْحِيحِ الْأَخْطَاءِ، ‏وَتَعْدِيلِ الْمَسَار. فَلْنَنْقَطِعْ لِمَوْلَانَا عَزَّ وَجَلَّ، حَتَّى وَلَوْ مَرَّةً فِي السَّنَة، وَخَاصَّةً فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَان. وَلْيَعْتَكِفِ الْإِخْوَةُ اَلَّذِينَ تُتَاحُ لَهُمُ الْفُرْصَةُ، فِي مَسَاجِدِنَا. وَالَّذِينَ لَا ‏يَجِدُونَ هَذِهِ الْفُرْصَة، عَلَيْهِمْ أَيْضًا أَنْ يَقْضُوا هَذِهِ الْأَيَّامَ الْمُبَارَكَةَ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، ‏وَفِي التَّفَكُّرِ فِي آيَاتِ اللَّه‏.‏ دَعُونَا نَتَفَرَّغْ فِي هَذِهِ الْأَيَّامِ لِمَوْلَانَا، وَلِتَزْكِيَةِ نُفُوسِنَا.

جَعَلَنَا اللَّهُ تَعَالَى ‏مِنْ عِبَادِهِ الْمُخْلَصِينَ، وَنَفَعَنَا بِبَرَكَاتِ هَذَا الشَّهْرِ الْكَرِيم. آمين‎.‎

[1] صحيح البخاري، فضل ليلة القدر، 5

[2] سورة البقرة: 187

[3] صحيح البخاري، كتاب الاعتكاف، 1؛ صحيح مسلم، كتاب الاعتكاف، 5

[4] سورة البقرة: 125

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: اَلِاعْتِكَاف: وَقْتُ الِانْقِطَاعِ لِلْعِبَادَةِ وَالتَّفَكُّر

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com