خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: اَلْأَبُ الْمِثَالِي

18.11.2022
Takke Tesbih Turuncu

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

إِنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ، جَعَلَ مِنَ الْإِنْسَانِ أَيْضًا ‏ذَكَرًا وَأُنْثَى. وَأَلَّفَ بَيْنَهُمَا بِمَحَبَّةٍ وَأُنْس. وَمَنَحَ كُلًّا مِنْهُمَا خَصَائِصَ ‏وَمَزَايَا، كَمَا جَعَلَ عَلَى عَاتِقِ كُلٍّ مِنْهُمَا مَسْؤُولِيَّاتٍ وَوَاجِبَاتٍ خَاصَّةً تَلِيقُ ‏بِه. وَلَا شَكَّ أَنَّ مِنْ أَهَمِّ هَذِهِ الْوَاجِبَاتِ، وَاجِبُ الْأُبُوَّةِ وَالْأُمُومَة. قَالَ اللَّهُ ‏تَبَارَكَ وَتَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ﴾.[1]

فَمِنْ وَاجِبَاتِ الْوَالِدِ، أَلَّا يُدْخِلَ بَيْتَهُ إِلَّا الْحَلَالَ مِنَ الْمَالِ، وَأَنْ يُسَمِّيَ أَوْلَادَهُ ‏بِالْأَسْمَاءِ الْحَسَنَةِ، وَأَنْ يُرَبِّيَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَان. فَهُوَ يَقَعُ عَلَيْهِ ‏مَسْؤُولِيَّاتٌ مَادِّيَّةٌ وَمَعْنَوِيَّةٌ تِجَاهَ أَوْلَادِه.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

إِنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي يُنَظِّمُ جَمِيعَ جَوَانِبِ حَيَاتِنَا، يَلْفِتُ اِنْتِبَاهَنَا كَذَلِكَ إِلَى ‏دَقَائِقِ وَاجِبِ الْأُبُوَّة. فَانْظُرُوا مَثَلًا إِلَى خِطَابِ سَيِّدِنَا لُقْمَانَ لِابْنِهِ وَهُوَ ‏يَعِظُهُ: ﴿‏يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللّٰهِ اِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظٖيمٌ‏﴾.[2] فَهُو يُنَادِي اِبْنَهُ وَيَقُولُ “يَا بُنَيَّ” بِرِفْقٍ وَلِين. وَنَحْنُ أَيْضًا، مَهْمَا كَانَتِ ‏الْحَالُ، يَنْبَغِي أَلَّا نُفَارِقَ اللُّطْفَ وَاللِّينَ مَعَ أَوْلَادِنَا. وَنَرَى سَيِّدَنَا نُوحاً ‏عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيْضًا لَمْ يَتْرُكِ الشَّفَقَةَ وَاللِّينَ حِينَ خَاطَبَ ابْنَهُ الَّذِي لَمْ ‏يُؤْمِنْ بِهِ، وَقَالَ لَهُ: ﴿يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا وَلَا تَكُن مَّعَ الْكَافِرِينَ﴾.[3]

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

لَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ؐ نَفْسُه أَبًا وَدُودًا مُتَعَلِّقًا بِأَوْلَادِهِ، مُعَبِّرًا لَهُمْ عَنْ ‏حُبِّه. حَتَّى أَنَّهُ كَانَ ؐ يَعْرِفُ أَوْلَادَهُ مِنْ طَرْقَةِ أَبْوَابِهِم. فَهُوَ الْمَبْعُوثُ رَحْمَةً ‏لِلْعَالَمِين. فَمَا بَالُكُمْ بِرَحْمَتِهِ تِجَاهَ أَوْلَادِه. وَلَيْسَتْ رَحْمَتُهُ هَذِهِ خَاصَّةً ‏بِأَوْلَادِهِ فَقَطّ، بَلْ بِأَوْلَادِ أُمَّتِهِ جَمِيعًا. وَهُوَ ؐ قَدْ عَلَّمَنَا بِسُنَّتِهِ كَيْفَ نَكُونُ آبَاءً ‏صَالِحِين. فَمَا عَلَيْنَا إِلَّا اِتِّبَاعَ سُنَّتِهِ ؐ.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

إِنَّ أَطْفَالَنَا أَمَانَةٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَدَيْنَا. وَمِنْ وَاجِبِنَا أَنْ نَقُومَ بِحَقِّ هَذِهِ ‏الْأَمَانَةِ وَأَنْ نُرَبِّيَهُمْ بِمَا يُرْضِي رَبَّنَا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى. عَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ ‏حَذِرِينَ، وَلَا نُطْعِمَهُمْ إِلَّا مِنَ الْمَطْعَمِ وَالْمَشْرَبِ الْحَلَال. وَأَنْ نُوَفِّرَ لَهُمْ ‏مِنَ الْبَدَائِلِ الْحَلَالِ لِكُلِّ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْه. وَلَا نَنْسَ أَنَّ طَرِيقَةَ تَعَامُلِنَا ‏نَحْنُ مَعَ أَزْوَاجِنَا وَمَعَ آبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا سَيُؤَثِّرُ فِيهِمْ، وَأَنَّنَا فِي كُلِّ أَحْوَالِنَا ‏أُسْوَةٌ لَهُمْ، وَنَمُوذَجُهُمُ الْأَكْبَرُ فِي حَيَاتِهِم. ‏

وَخُصُوصًا فِي يَوْمِنَا هَذَا الَّذِي انْتَشَرَ فِيهِ الْإِدْمَانُ عَلَى وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ ‏الْاِجْتِمَاعِيَّةِ، وَشَاعَتْ فِي هَذِهِ الْمَوَاقِعِ الرَّذَائِلُ وَالْمُنْكَرَاتُ، يَجِبُ عَلَيْنَا ‏أَنْ نُعْطِيَ أَوْلَادَنَا مِنْ وَقَتِنَا وَمِنْ اِهْتِمَامِنَا مَا يُشْبِعُ عَوَاطِفَهُمْ، وَأَنْ نَمْنَعَ ‏عَنْهُمْ هَذِهِ الْمَخَاطِرَ بِمُخْتَلِفِ الْوَسَائِل. ‏

وَقَدْ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ ؐ بِالْاِهْتِمَامِ بِتَرْبِيَةِ أَوْلَادِنَا. قَالَ ؐ: «أَكْرِمُوا أَوْلاَدَكُمْ وَأَحْسِنُوا أَدَبَهُمْ».[4] وَمَتَى وَجَدْنَا فِي أَوْلَادِنَا مَا لَا يُسْعِدُنَا، يَنْبَغِي أَنْ نَبْحَثَ عَنْ سَبَبِ ذَلِكَ ‏الشَّيْءِ فِي أَنْفُسِنَا أَوَّلًا، وَأَنْ نُحَاسِبَ أَنْفُسَنَا أَوَّلًا. لَا يُمْكِنُ أَنْ نَتَوَقَّعَ مِنْ ‏أَطْفَالِنَا مَا نَتَكَاسَلُ عَنْهُ نَحْنُ. فَإِنَّ فَاقِدَ الشَّيْءِ لَا يُعْطِيه. وَلْنَعْلَمْ أَنَّ ‏أَوْلَادَنَا يُقَلِّدُونَنَا فِي كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ دُونَ أَنْ نَشْعُرَ بِه. فَلْنُكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ ‏لَهُمْ وَالتَّضَرُّعِ إِلَى اللَّهِ مِنْ أَجْلِ صَلَاحِهِم: ﴿رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾.[5] آمين!

[1] سورة التحريم: 6

[2] سورة لقمان: 13

[3] سورة هود: 42

[4] سنن ابن ماجه، كتاب الأدب، 3

[5] سورة الفرقان: 74

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: اَلْأَبُ الْمِثَالِي

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com