خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: تَأْسِيسُ بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ بِالسُّبُلِ الْمَشْرُوعَة

28.04.2023
Minber Ahşap

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

إِنَّ الزَّوَاجَ هُوَ أَسَاسُ الْأُسْرَة، اَلَّتِي هِيَ الْأَسَاسُ الْأَوَّلُ فِي أَيِّ ‏مُجْتَمَعٍ، وَالَّتِي يَتَرَبَّى فِيهَا كُلُّ فَرْد. اَلزَّوَاجُ وَالنِّكَاحُ هُوَ مَنْبَعُ ‏الْوُدِّ وَالْحُبِّ بَيْنَ الزَّوْجَيْن. فَبِالنِّكَاحِ يَسْتَكْمِلُ كُلٌّ مِنْهُمَا شَطْرَ ‏دِيْنِهِمَا، وَيُتَمِّمُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا كَيَانَ الْآخَر. وَقَدْ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى ‏إِلَى أَنَّ فِي الزَّوَاجِ حِكَمًا كَثِيرَةً وَقَال‏: ﴿وَمِنْ اٰيَاتِهٖٓ اَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ اَنْفُسِكُمْ اَزْوَاجاً لِتَسْكُـنُٓوا اِلَيْهَا وَجَعَلَ ‏بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةًؕ اِنَّ فٖي ذٰلِكَ لَاٰيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ‏﴾.[1]  

اَلزَّوَاجُ يَحْفَظُ الْإِنْسَانَ مِنْ كَثِيرٍ مِنَ الْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَات. وَأَهَمُّ ‏قِيمَةٍ يَصُونُهَا الزَّوَاجُ هِيَ الْعِفَّة، فَبِالزَّوَاجِ يَسْتَعِفُّ الْإِنْسَان. ‏وَلَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ؐ يَهْتَمُّ عَنْ قُرْبٍ بِزَوَاجِ الشَّبَابِ ‏خُصُوصًا، وَكَانَ يُسَاعِدُهُمْ وَيَدْعَمُهُمْ مَادِّيًّا وَمَعْنَوِيًّا. وَكَانَ ؐ ‏يَقُولُ لَهُم‏: «تَنَاكَحُوا تَكَاثَرُوا، فَإِنِّي مُبَاهٍ بِكُمُ الْأٌمَمَ يَوْمَ الْقِيَامَة»‏.[2] وَيَقُولُ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَاب! مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ ‏لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْج‏»‏.[3]

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

إِنَّ تَأْسِيسَ بَيْتِ زَوْجِيَّةٍ صَالِحَةٍ سَعِيدَةٍ لَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا إِذَا اتُّبِعَتِ ‏السُّبُلُ الْمَشْرُوعَةُ لِذَلِك. لِذَا لَا بُدَّ عَلَيْنَا أَنْ نَتَجَنَّبَ وَنَنْبُذَ كُلَّ ‏الْعَادَاتِ وَالْتَّقَالِيدَ الَّتِي تَمَسُّ بِحُرْمَةِ وَكَرَامَةِ بُيُوتِنَا، وَالَّتِي تُثْقِلُ ‏كَاهِلَ شَبَابِنَا الْمُتَأَهِّبِينَ لِلزَّوَاجِ، بِلَا طَائِلٍ وَلَا فَائِدَة. حَفَلَاتُ ‏الْخُطُوبَةِ وَالْأَعْرَاسِ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ مُتَوَاضِعَةً بَعِيدَةً عَنِ ‏الْإِسْرَافِ وَالتَّبْذِير. فَفِي هَذِهِ الْمُنَاسِبَاتِ يَتَجَلَّى مَدَى الْتِزَامِنَا ‏بِشَرْعِ اللَّهِ تَعَالَى، وَمَدَى وُقُوفِنَا عِنْدَ حُدُودِهِ سُبْحَانَه.‏

أَيُّهَا الآبَاء،

عَلَيْنَا أَنْ نُعِيِنَ أَوْلَادَنَا عَلَى الْاِلْتِزَامِ بِحُدُودِ اللَّهِ تَعَالَى فِي هَذِهِ ‏الْمَرْحَلَةِ مِنْ حَيَاتِهِم. عَلَيْنَا أَنْ نُيَسِّرَ لَهُمْ هَذَا السَّبِيلَ بِقَدْرِ ‏الْإِمْكَان. اَلْأَعْبَاءُ الْمَادِّيَّةُ الَّتِي تُثْقِلُ كَاهِلَ الشَّبَابِ تُعَكِّرُ صَفْوَ ‏عَلَاقَتِهِمُ الزَّوْجِيَّةِ فِي الْمَدَى الْقَرِيبِ، وَتُسَبِّبُ الْمَشَاكِلَ دَاخِلَ ‏هَذَا الْبَيْتِ الْجَدِيد. فَعَلَيْنَا أَنْ نَكُونَ مُيَسِّرِينَ مُسَهِّلِين، لَا ‏مُعَسِّرِينَ مُعَقِّدِين. فَقَدْ قَالَ‏ ؐ: «خَيْرُ النِّكَاحِ أَيْسَرُه»‏.[4]

إِخْوَتِيَ الشَّبَاب،

لِيَكُنْ مِعْيَارُكُمُ الْأَوَّلُ فِي اخْتِيَارِ شَرِيكِ حَيَاتِكُمْ هُوَ الْإِيمَانُ ‏وَتَقْوَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْخُلُقَ الْحَسَن. لَا تَبْحَثُوا عَنِ السَّعَادَةِ فِي ‏الْمَظَاهِر، بَلِ ابْحَثُوا عَنْهَا فِي الْقِيَمِ الْحَقِيقِيَّةِ مِثْلَ الْإِخْلَاصِ ‏وَالْاِحْتِرَامِ وَالتَّضْحِيَةِ مِنْ أَجْلِ بَعْض. اِتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تَتَجَاوَزُوا ‏حُدُودَ اللَّهِ فِي حَفَلَاتِكُمْ وَأَعْرَاسِكُمْ، وَكُونُوا خَيْرَ نَمَاذِجَ ‏لِإِخَوَانِكُمُ الَّذِينَ سَيَأْتُونَ مِنْ بَعْدِكُم.‏

أَخْتِمُ خُطْبَتِي بِدُعَاءِ سَيِّدِنَا إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام، إِذْ قَال‏: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّيَّتِي ۚ رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ﴾.[5] آمين!

[1] سورة الروم: 121

[2] سنن البيهقي، 7/81

[3] صحيح البخاري، كتاب النكاح، 3

[4] سنن أبي داود، كتاب النكاح، 30-31

[5] سورة إبراهيم: 40

خُطْبَةُ الْجُمُعَة: تَأْسِيسُ بَيْتِ الزَّوْجِيَّةِ بِالسُّبُلِ الْمَشْرُوعَة

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com