خطبة
26.11.2025
مِنْ أَعْظَمِ الْحَقَائِقِ الَّتِي أَنْعَمَ اللَّهُ بِهَا عَلَيْنَا هِيَ جَانِبُ الْمَعِيشَةِ وَالسَّعْيِ لِلرِّزْقِ، وَلِكَيْ تَسْتَمِرَّ الْحَيَاةُ الْإِنْسَانُ مُجْبَرٌ عَلَى السَّعْيِ لِكَسْبِ مَا يَقُومُ بِهِ حَيَاتَهُ مِنْ مَسْكَنٍ، وَمَأْكَلٍ، وَمَشْرَبٍ، وَيَمْضِي الْعُمْرُ بَيْنَ الْكَسْبِ وَالْإِنْفَاقِ. أَمَرَنَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ بِأَنْ نَأْكُلَ مِنْ رِزْقِهِ الْحَلَالِ فَقَالَ: ﴿فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ﴾ الْمُؤْمِنُ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَرَسُولِهِ، وَالْيَوْمِ الْآخِرِ لَا يَحْرِصُ فَقَطْ عَلَى أَنْ يَكُونَ كَسْبُهُ حَلَالًا، بَلْ يَجِبُ أَنْ يَحْرِصَ عَلَى إِنْفَاقِ مَالِهِ فِي مَا يُرْضِي اللَّهَ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ : أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سُئِلَ: أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَ: «عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ.» فَإِنَّ الْمَالَ الَّذِي يَأْتِي مِنْ طَرِيقٍ مُحَرَّمٍ لَا يَجْلِبُ النَّفْعَ لِصَحَابِهِ، بَلْ يُنْفِقُهُ بِالْحَرَامِ كَمَا جَاءَ بِالْحَرَامِ. فَكَمَا أَنَّ الْمَاءَ النَّجِسَ يُلَوِّثُ كُلَّ مَا يَمُرُّ بِهِ كَذَلِكَ الْكَسْبُ الْحَرَامُ يُفْسِدُ الْقُلُوبَ وَيُذْهِبُ الْبَرَكَةَ. وَإِذَا تَنَاوَلَ الْإِنْسَانُ شَيْئًا مُحَرَّمًا بِقَصْدٍ أَوْ دُونَ قَصْدٍ تَتَأَثَّرُ نَفْسُهُ وَيُطْفِئُ نُورَ قَلْبِهِ. قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «…لَأَنْ يأْخُذَ تُرابًا، فيَجْعَلَه في فيه؛ خَيْرٌ له مِن أنْ يَـجْعَلَ في فِيهِ ما حَرَّمَ اللهُ عليه.» وَأَوْصَانا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالِابْتِعَادِ عَنِ اكْلِ الحَرَامٍ وَشُرْبِ الحَرَامٍ.
أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،
وَمِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ أَنَّ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ ذُكِرَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ. فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَدِّدَ ذَلِكَ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ يُغَيِّرَ مَا حَكَمَ اللَّهُ بِهِ. وَقَدْ بَيَّنَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ ذَلِكَ الْأَمْرَ بِقَوْلِهِ: ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَٰذَا حَلَالٌ وَهَٰذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ﴾ وَلِذَلِكَ فَلَا يَحِلُّ لِأَحَدٍ أَنْ يُحَلِّلَ حَرَامًا أَوْ يُحَرِّمَ حَلَالًا بِحَسَبِ هَوَاهُ وَرَأْيِهِ. فَقَدْ وَضَعَ اللَّهُ أَحْكَامًا وَحُدُودًا ثَابِتَةً بَاقِيَةً إِلَي يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَلَا تَتَغَيَّرُ.
إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،
إِنَّنَا نَعِيشُ فِي زَمَنٍ طَغَى عَلَيْهِ الِاسْتِهْلَاكُ الْمُفْرِطُ. فَقَدْ أَصْبَحَتْ عَوَاقِبُ الْإِسْرَافِ الْمُفْرِطِ وَاضِحَةً بَدْءًا مِنْ تَغْيِيرِ الْمُنَاخِ وَتَلَوُّثِ الْهَوَاءِ وُصُولًا إِلَى تَلَوُّثِ الْمِيَاهِ. وَكُلُّ ذَلِكَ نَتِيجَةُ التَّفْرِيطِ فِي نِعَمِ اللَّهِ وَفِقْدَانِ الْقَنَاعَةِ. يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيم: ﴿وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ﴾ اَلْإِسْرَافُ مُحَرَّمٌ فِي دِينِنَا كَتَحْرِيمِ شُرْبِ الْخَمْرِ، وَأَكْلِ لَحْمِ الْخِنْزِيرِ، وَارْتِكَابِ الْفَوَاحِشِ. يُبَيِّنُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ الْكَرِيمِ مَنْهَجَ الْمُؤْمِنِ فِي الْإِنْفَاقِ بِقَوْلِهِ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا﴾ فَالْإِنْفَاقُ الْمُتَوَازِنُ فَرْضٌ تُجَاهَ خَالِقِنَا وَمَسْؤُولِيَّةٌ تُجَاهَ مُجْتَمَعِنَا.
أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،
وَفِي يَوْمِنَا هَذَا لِأَجْلِ الْحِفَاظِ عَلَى وَعْيِ الْإِنْسَانِ فِي الْإِنْفَاقِ أَصْبَحْنَا بِحَاجَةٍ مَاسَّةٍ إِلَى رُؤْيَةٍ مُوَحَّدَةٍ لِمَفْهُومِ الْحَلَالِ، وَوُجُودِ مَعَايِيرَ مَوْثُوقٍ بِهَا. وَفِي هَذَا السِّيَاقِ تَقُومُ الْمُؤَسَّسَةُ الْأُورُبِّيَّةُ لِلْحَلَالِ EHZ بِدَوْرٍ مُهِمٍّ فِي خِدْمَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَيُمْكِنُكُمْ مُتَابَعَتُهُ عَبْرَ الْإِنْتَرْنِتْ www.eurohalal.eu حَيْثُ تَقُومُ الْمُؤَسَّسَةُ بِمُرَاقَبَةِ الْمُنْتَجَاتِ، وَعَمَلِيَّاتِ الْإِنْتَاجِ، وَالتَّأَكُّدِ مِنْ تَوَافُقِهَا مَعَ الضَّوَابِطِ الشَّرْعِيَّةِ، وَتَسْعَى الْمُؤَسَّسَةُ لِحِمَايَةِ حُقُوقِ الْمُسْتَهْلِكِ وَتَمْكِينِهِ مِنْ الشِّرَاءِ بِثِقَةٍ وَطُمَأْنِينَةٍ. لِنَتَعَاوَنْ جَمِيعًا عَلَى حِفْظِ قِيَمِنَا الْإِسْلَامِيَّةِ وَالِابْتِعَادِ عَنْ الشُّبُهَاتِ، وَلْنَتَّبِعْ الْمُؤَسَّسَاتِ الْمَوْثُوقَةَ مِثْلَ EHZ وَنَدْعَمْهَا، وَلْنُسْهِمْ جَمِيعًا فِي تَرْسِيخِ ثَقَافَةِ الْحَلَالِ فِي أُمَّتِنَا. وَلْنَخْتِمْ خُطْبَتَنَا بِدُعَاءِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حَلَالًا طَيِّبًا، وَجَنِّبْنِي الْحَرَامَ وَاغْنِنِي عَمَّنْ سِوَاكَ. ”









