خطبة

الثقةُ بالله وعدمُ اليأسِ منه

30.11.2023
Kuran Tesbih Kırmızı

بِسْمِ اللّٰهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحٖيمِ 

 ) وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْاَمْوَالِ وَالْاَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِؕ وَبَشِّرِ الصَّابِرٖينَۙ ﴿١٥٥﴾ اَلَّذٖينَ اِذَٓا اَصَابَتْهُمْ 

مُصٖيبَةٌۙ قَالُٓوا اِنَّا لِلّٰهِ وَاِنَّٓا اِلَيْهِ رَاجِعُونَؕ ﴿١٥٦﴾

عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: فَقَدْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَيْلَةً مِنَ الْفِرَاشِ، فَالْتَمَسْتُهُ، فَوَقَعَتْ يَدِى عَلَى بَطْنِ قَدَمَيْهِ، وَهُوَ فِى الْمَسْجِدِ وَهُمَا مَنْصُوبَتَانِ وَهُوَ يَقُولُ:

« اللَّهُمَّ! أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ.»

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

إنَّ الْإِنْسَانَ الَّذِي يُبْعَثُ إلَى الْأَرْضِ خَلِيفَةً يَخْضَع لاِمْتِحَانَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ تُنَاسِبُ الْإِنْسَانَ. الِامْتِحَانُ الَّذِي بَدَأَ فِي الْجَنَّةِ مَعَ أُمِنَا حَوَّاءَ وَآدَم عَلَيْهِ السَّلَامُ سَيَسْتَمِرُّ حَتَّى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَسَيَظْهَرُ لِكُلِّ إنْسَانٍ بِشَكْلٍ مُخْتَلَفٍ. سَوْفَ يَخْضَع كُلُّ إنْسَانٍ بالاِمْتِحَانِ، وَكُلُّ أَحَدٍ سَيَتَأَثَّرُ مِنْ هَذَا، وَفِي الْآخِرَةِ سَيَنْهِي الْبَعْضُ اِمْتِحَانَهُمْ فَائِزِينَ وَالْبَعْضُ خَاسِرِينَ. وفِي حَالَةِ نَجَاحِ هَذَا الِامْتِحَانِ فَإِنَّهُ يَزِيدُ مِنْ تَوَكُّلِ الْإِنْسَانِ وَخُشُوعِهِ، وَيُوَصِّلُهُ إلَى الْجَنَّةِ. وَفِي هَذَا الْمَسَاقِ؛ فَإِنَّ الِامْتِحَانَ لَيْسَ شَيْئًا سَيِّئًا، بَلْ هُوَ وَسِيلَةٌ تُوَصِّلُنَا لِلْجَنَّةِ.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

مِنْ الْمُسْتَحِيلِ عَلَى أَيِّ أَحَدٍ غَيْرِ اللَّهِ أَنْ يَعْرِفَ مَا هو الِامْتِحَانُ الَّذِي سَنُوَاجِهُهُ، والاِبْتِلَاءَاتُ الَّتِي سَتَحْدُثُ. أَمَّا الْمُؤْمِنُونُ عِنْدَمَا يُوَاجِهُونَ ابْتِلَاءً، يُؤْمِنُونَ بِأَنَّهُ ابْتِلَاءٌ مِنْ اللَّهِ وَامْتِحَانٌ، فَلَا يَعْصُونَ وَلَا يَعْتَرِضُونَ، بَل يُوَاجِهُونَ هَذَا الِابْتِلَاءَ بِالصَّبْرِ وَالتَّوَكُّلِ. وَهَذَا يَدْفَعُهُم إلَى زِيَادَةِ إيْمَانِهِمْ وَالتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: (وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ)

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَعِيشَ الْحَيَاةَ فِي حَالَةِ تَأَهُّبٍ، بِشُعُورٍ أَنَّهُ يَتَعَرَّضُ للامْتِحَانِ فِي كُلِّ لَحْظَةٍ، وَيَجِبُ أَنْ لَا يُخْرِجَ هَذَا أَبَدًا مِنْ عَقْلِهِ. لَا يُوجَدُ زَمَانٌ وَلَا مَكَانٌ للامْتِحَان، بَلْ فِي أَيِّ وَقْتٍ وَأَيِّ مَكَانٍ قَدْ يُوَاجِهُ الْإِنْسَانُ جَمِيعَ أَنْوَاعِ الِامْتِحَان. فَبَيْنَمَا مِنْ الْمُمْكِنِ أَنْ يَمْتَحِنَ الْإِنْسَانُ ويَخْسَرَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي هُوَ مُرْتاحٌ، وَغَيْرُ مُنْتَبِهٍ؛ فَمِنَ الْمُمْكِنِ أَيْضًا أَنْ يَنْجَحَ فِي الامْتِحَانِ وَهُو يُوَاجِهُ الْمَصَائِبَ والاِبْتِلَاءَاتِ. إنَّمَا الْفَوْزُ وَالْخَسَارَةُ مُرْتَبِطَانِ بِصَبْرِ الْإِنْسَانِ، وَثَبَاتِهِ، وَتَوَكُّلِهِ عَلَى اللَّهِ وَخُضُوعِهِ لَهُ. إنَّ الْفَائِزِينَ سَيُجْزَوْنَ رِضْوَانَ اللَّهِ، وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ الصَّالِحُونَ الَّذِين أَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمْ.

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

قَدْ تَأْتِي أَوْقَاتٌ فَقَدْنَا فِيهَا الْأَمَلَ، وشَعَرْنَا بِالْيَأْسِ بِسَبَبِ صُعُوبَةِ الِامْتِحَانِ. فَلْنَعْلَمْ أَنَّهُ مَهْمَا كَانَتْ الصُّعُوبَاتُ الَّتِي يُوَاجِهُهَا الْإِنْسَانُ، وَمَهْمَا كَانَ الِامْتِحَانُ الَّذِي نَمُرُّ بِهِ، هُنَاكَ رَبٌ يَعْلَمُ وَيَرَى ورَقِيبٌ بِكُلِّ مَا يَحْدُثُ. وَيَنْبَغِي لَنَا أَنْ لَا نَنْسَى أَبَدًا أَنَّهُ لَا شَيْءَ يَحْدُثُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا دُونَ عِلْمِ اللَّهِ؛ حَتَّى الطَّائِرَ الَّذِي يَطِيرُ فِي السَّمَاءِ، وَالحَشَرَةَ الَّتِي تَزْحَفُ عَلَى الأَرْضِ، وَوَرَقَةَ الشَّجَرِ عَلَى الْغُصْنِ. كُلُّ هَذَا يَحْتَاجُ إلَى مَشِيئَةِ اللَّهِ وَحِكْمَتِه لِكَيْ يَجِدَ الْحَيَاةَ. لِذَلِكَ نَحْنُ كَعِبَادِ اللَّه؛ نُؤْمِنُ بِأَنَّ كُلَّ مَا نُوَاجِهُهُ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍّ فَهُو بِمَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، ونُوَاجِهُ هذا بِصَبْرٍ، وَثِقَةٍ، وَيَقِينٍ بِاَللَّهِ تَعَالَى. وَلَا نَيْأَسُ أَبَدًا وَلَا نَفْقِدُ يَقِينَنَا بِاَللَّه. وَنُؤْمِنُ أَيْضًا بأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْقَوِيّ وَصَاحِبُ الْقُدْرَةِ الْمُطْلَقَةِ. كَمَا يُنَادِي الْمُؤَذِّنُ فِي الْأَذَانِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسَ مَرَّاتٍ “الله أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ..” فَكَلِمَةُ “اللَّهُ أَكْبَرُ” مَعْنَاهَا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فِي هَذَا الْوُجُودِ، وَأَعْظَمُ وَأَجَلُّ وَأَعَزُّ وَأَعْلَى مِنْ كُلِّ مَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ أَو يَتَصَوَّرُهُ الْخَيَالُ، وَهُوَ عَالِمٌ وَقَادِرٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ. لِذَلِكَ مَهْمَا كَانَتْ ظُرُوفُ الْإِنْسَانِ؛ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَتْرُكُ عَبْدَهُ وَلَا يَتَخَلَّى عَنْه أَبَدًا. وَمِنْ خِلَالِ هَذِه الاِمْتِحَانَاتِ والاِبْتِلَاءَاتِ يُكَفِّرُ اللَّهُ بِهَا سَيِّئَاتِ عِبَادِهِ. وَبَعْدَ هَذِهِ الْأَيَّامِ الصَّعْبَةِ والاِبتِلَاءَاتِ سَتَأْتِي أَيَّامٌ جَمِيلَةٌ بِلَا شَكٍّ.

أيُّها الإخْوَةُ الأفاضِل،

ولِنَنْهِي خُطْبَتَنَا بِدُعَاءِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « اللَّهُمَّ أَعُوذُ بِرِضَاكَ مِنْ سَخَطِكَ، وَبِمُعَافَاتِكَ مِنْ عُقُوبَتِكَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْكَ، لاَ أُحْصِى ثَنَاءً عَلَيْكَ، أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْتَ عَلَى نَفْسِكَ.» وَبِهَذِهِ الْمُنَاسَبَةِ؛ نَسْأَلُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ الْعَوْنَ لِإِخْوَانِنَا الْمَظْلُومِينَ فِي فِلَسْطِينَ وَفِي الْعَالِمِ أَجْمَعُ، وَنَدْعُو لَهُمْ أَنْ يَجْتَازُوا هَذَا الِامْتِحَانَ وَالِابْتِلَاءَ بِنَجَاحٍ فِي أَقْرَبِ وَقْتٍ مُمْكِنٍ.

خُطْبَة

 

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com