خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة – أَهَمِّيَّةُ صَلَاةِ الْفَجْر

13.01.2023
Rahle Kur'an

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

إِنَّ صَلَاةَ الْفَجْرِ فَاتِحَةُ الْعِبَادَاتِ فِي كُلِّ يَوْم. هِيَ أَهَمُّ صَلَاةٍ بَيْنَ الصَّلَوَاتِ ‏الْخَمْسِ الْمَفْرُوضَة. يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ؐ: «مَنْ صَلَّى صَلَاةَ الصُّبْحِ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّه».[1] فَاللَّهُ تَعَالَى يَتَوَلَّى أَهْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة. وَالسَّبَبُ فِي تَمَيُّزِ ‏صَلَاةِ الْفَجْرِ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الصَّلَوَاتِ، وَفِي تَضَاعُفِ الْأَجْرِ عَلَيْهَا؛ هُوَ أَنَّ ‏الْمَشَقَّةَ فِي هَذِهِ الصَّلَاةِ أَكْثَرُ مِنْهَا فِي غَيْرِهَا مِنَ الصَّلَوَات. فَهِي تَكُونُ فِي وَقْتٍ ‏يَكُونُ النَّاسُ فِيهِ نِيَامًا فِي مَضَاجِعِهِمْ، وَيَثْقُل عَلَى النَّفْسِ فِي هَذِهِ الْحَالِ تَرَكُ دِفْءِ ‏السَّرِيرِ وَالتَّوَضِي وَحُضُورِ الصَّلَاة. فَالْمُسْلِمُ هُوَ الَّذِي يَقُومُ رَغْمَ كُلِّ هَذِهِ ‏الصُّعُوبَاتِ، اِمْتِثَالًا لِأَمْرِ مَوْلَاهُ، وَلِأَنَّهُ يَسْتَيْقِنُ بِأَنَّ الصَّلَاةَ خَيْرٌ مِنَ النَّوْم.

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

لَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ إِلَى أَهَمِّيَّةِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ أَيْضًا. ‏قَالَ تَعَالَى‏: ﴿َ‏اَقِمِ الصَّلٰوةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ اِلٰى غَسَقِ الَّيْلِ وَقُرْاٰنَ الْفَجْرِؕ اِنَّ قُرْاٰنَ ‏الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً‏﴾.[2] وَبَيَّنَ النَّبِيُّ ؐ اَلْمُرَادَ مِنْ شُهُودِ قُرْآنِ الْفَجْر، إِذْ قَالَ‏: «يَتَعَاقَبُونَ فِيكُمْ مَلَائِكَةٌ بِاللَّيْلِ وَمَلَائِكَةٌ بِالنَّهَارِ، وَيَجْتَمِعُونَ فِي صَلَاةِ الْعَصْرِ وَصَلَاةِ الْفَجْر، ثُمَّ يَعْرُجُ الَّذِينَ بَاتُوا فِيكُمْ فَيَسْأَلُهُمْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِهِمْ: كَيْفَ تَرَكْتُمْ عِبَادِي؟ فَيَقُولُون: تَرَكْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَأَتَيْنَاهُمْ وَهُمْ يُصَلُّون».[3]

‏ كَذَلِكَ تُعَدُّ صَلَاةُ الْفَجْرِ عَلَامَةً يُمَيِّزُ الْمُؤْمِنَ عَنْ غَيْرِه، فَإِنَّهُ ثَقِيلٌ عَلَى ‏الْمُنَافِقِينَ، رَغْمَ عِظَمِ فَضْلِهِ وَثَوَابِهِ كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ ؐ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَصَلَاةِ الْفَجْرِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا».[4] وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: «رَكْعَتَا الْفَجْرِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا».[5]

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

إِنَّ أَدَاءَ الصَّلَوَاتِ فِي الْمَسَاجِدِ خَيْرٌ مِنْ أَدَائِهَا مُنْفَرِدًا فِي الْبُيُوتِ وَأَمَاكِنِ ‏الْعَمَل‏. قَالَ ؐ: «صَلَاةُ الْجَمَاعَةِ تَفْضُلُ صَلَاةَ الفَذِّ بسَبْعٍ وعِشْرِينَ دَرَجَة».[6] بَلْ ثَوَابُ الصَّلَاةِ فِي الْجَمَاعَةِ يَزْدَادُ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا لِمَنْ أَدَّاهَا فِي الصَّفِّ ‏الْأَوَّل، قَالَ ؐ: «لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْه، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا».[7] لِكُلِّ ذَلِكَ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَام: «مَنْ صَلَّى الْعِشَاءَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأنَّمَا قَامَ نِصْفَ اللَّيْل، وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فِي جَمَاعَةٍ فَكَأَنَّمَا صَلَّى اللَّيْلَ كُلَّه».[8]

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

كَانَ صَحَابَةُ رَسُولِ اللَّهِ ؐ يَهْتَمُّونَ بِصَلَاةِ الْفَجْرِ اِهْتِمَامًا بَالِغًا، وَكَانُوا ‏يُنَبِّهُونَ بَعْضُهُمُ الْبَعْضَ عَلَيْهَا. رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ ‏عَنْهُ فَقَدَ سُلَيْمَانَ بْنَ أَبِي حَثْمَةَ فِي صَلَاةِ الصُّبْح، ثُمَّ غَدَا عُمَرُ إِلَى ‏السُّوقِ، -وَمَسْكَنُ سُلَيْمَانَ بَيْنَ الْمَسْجِدِ وَالسُّوْق-، فَمَرَّ عَلَى الشِّفَاءِ أُمِّ ‏سُلَيْمَان، فَقَالَ لَهَا: لَمْ أَرَ سُلَيْمَانَ فِي الصُّبْح، فَقَالَتْ: إِنَّهُ بَاتَ يُصَلِّي ‏فَغَلَبَتْهُ عَيْنَاه، فَقَالَ عُمَر: لَأَنْ أَشْهَدَ صَلَاةَ الصُّبْحِ فِي جَمَاعَةٍ أَحَبُّ إِلَيَّ ‏مِنْ أَنْ أَقُومَ لَيْلَة. ‏

نَفْهَمُ مِنْ هَذَا أَنَّ حُضُورَ الْجَمَاعَةِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ أَمْرٌ مُهِمٌّ جِدًّا لِكُلِّ ‏مُسْلِم، وَلَهُ دُورٌ كَبِيرٌ فِي إِحْيَاءِ رَوَابِطِ الْأُخُوَّةِ وَالْوَحْدَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِين. ‏

أَسْأَلُ الْمَوْلَى عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُوَفِّقَنَا لِطَاعَتِهِ، وَأَنْ يُلْهِمَنَا الصَّوَاب. إِنَّهُ وَلِيُّ ‏ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه. آمِين.

[1] صحيح مسلم، 3/394، الحديث رقم: 1051

[2] سورة الإسراء: 78

[3] صحيح البخاري، كتاب الأذان، 3/38، الحديث رقم: 612

[4] صحيح البخاري، كتاب الأذان، 3/46، الحديث رقم: 617

[5] صحيح مسلم، كتاب المسافرين، 2/160، الحديث رقم: 1721

[6] صحيح البخاري، كتاب الأذان، 30 ؛ صحيح مسلم، كتاب المساجد، 245، 250  

[7] صحيح البخاري، كتاب الأذان، 9، 32، كتاب الشهادات، 30؛ صحيح مسلم، كتاب الصلاة، 129؛ سنن الترمذي، كتاب المواقيت، 52؛ سنن النسائي، كتاب المواقيت، 22، كتاب الأذان، 31

[8] صحيح البخاري، كتاب الأذان، 34؛ صحيح مسلم، كتاب المساجد، 260

خُطْبَةُ الْجُمُعَة – أَهَمِّيَّةُ صَلَاةِ الْفَجْر

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com