خطبة

خُطْبَةُ الْجُمُعَة ١٦\٤\٢٠٢١ – الصَّوْمُ يَقِي الْمُؤْمِنَ وَالصَّلاَةُ تَرْفَعُه

15.04.2021

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

يَقُولُ الْمَوْلَى سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْكَرِيم: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذٖٓي اُنْزِلَ فٖيهِ الْقُرْاٰنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدٰى وَالْفُرْقَانِ ج فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ.[1] وَإِنَّ صِيَامَ رَمَضَانَ يَشْتَمِلُ عَلَى حِكَمٍ وَرَحَمَاتٍ مُتَعَدِّدَةٍ مَادِّيَّةٍ وَمَعْنَوِيَّةٍ لِلْمُؤْمِنِين. وَتَأْتِي كَلِمَةُ “صَوْم” بِمَعْنَى: اِجْتِنَابِ الشَّيْءِ، وَالْإِمْسَاكِ عَنْهُ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى النَّفْسِ مِنْه. وَمَعْنَاهُ الْاِصْطِلاَحِيُّ هُوَ: اَلْإِمْسَاكُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْعَلاَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ مِنْ وَقْتِ الْفَجْرِ إلَى وَقْتِ الْمَغْرِب. يَقُولُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَنِ الصَّوْم: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ﴾.[2] وَلَقَدْ أَشَارَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ: “لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون” فِي آخِرِ هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى خَاصِّيَّةٍ مِنْ أَهَمِّ خَصَائِصِ الصَّوْمِ، وَهِيَ خَاصِّيَّةُ الْوِقَايَةِ وَالْحِفْظ. وَكَمَا أَنَّنَا نَحْنُ الْفَاعِلِينَ لِلصَّوْمِ وَالْقَائِمِينَ بِهِ، فَكَذَلِكَ الصَّوْمُ نَفْسُهُ، لَهُ أَفْعَالٌ وَوَظَائِفُ يَقُومُ بِهَا فِي حَقِّنَا. وَمَا لَمْ يَكُنِ الصَّوْمُ فَاعِلاً لِتِلْكَ الْوَظَائِفِ وَمُنْتِجًا لِتِلْكَ الْآثَارِ لاَ نُعْتَبَرُ آتِيْنَ بِالصَّوْمِ كَمَا يَنْبَغِي. فَأَمَّا نَحْنُ، فَحِينَمَا نَأْتِي بِالصَّوْمِ، نُمْسِكُ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالْعَلاَقَةِ الزَّوْجِيَّةِ وَنَبْتَعِدُ عَنْهَا. وَأَمَّا الصَّوْمُ، فَهُوَ يُبْعِدُنَا عَنْ مَنْهِيَّاتٍ أُخْرَى مِثْلَ الْغِيبَةِ وَالنَّمِيمَةِ وَالْكَذِبِ وَالْكَلاَمِ الْفَارِغ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَوْمُنَا يُبْعِدُنَا عَنْ مِثْلِ هَذِهِ الْأُمُورِ فِعْلاً، فَإِنَّ ذَلِكَ الصَّوْمَ إمْسَاكٌ مَحْضٌ وَحِرْمَانٌ مَحْضٌ وَلَيْسَ بِصَوْمٍ حَقِيقَةً. وَلَيْسَ لِصَاحِبِهِ مِنْ ذَلِكَ الْإِمْسَاكِ إلاَّ الْجُوعُ وَالْعَطَش. وَقَدْ عَبَّرَ عَنْ هَذِهِ الْحَقِيقَةِ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَال: «رُبَّ صَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ صِيَامِهِ الْجُوعُ وَالْعَطَش، وَرُبَّ قَائِمٍ حَظُّهُ مِنْ قِيَامِهِ السَّهَر».[3]    

إِخْوَتِيَ الْأَعِزَّاء،

اَلْإِمْسَاكُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ يَنْبَغِي أَلَّا يُفْهَمَ عَلَى أَنَّهُ إمْسَاكٌ عَنْ أَشْيَاءَ فَقَطْ بِمَعْنَى التَّرْكِ وَالْحِرْمَان، فَإِنَّهُ فِي الْوَقْتِ ذَاتِهِ إمْسَاكٌ بِأَشْيَاءَ أُخْرَى بِمَعْنَى التَّمَسُّكِ وَالاِعْتِصَام. إذْ أَنَّ شَهْرَ رَمَضَانَ هُوَ شَهْرُ الرَّحْمَةِ وَشَهْرُ الْمَغْفِرَةِ وَالْإِحْسَانِ وَهُوَ شَهْرٌ تُوَزَّعُ فِيهِ أَلْطَافُ اللَّهِ تَعَالَى بِسَعَة. فَمَنْ صَامَ هَذَا الشَّهْرَ وَلَمْ يَنْظُرْ فِي أَخْطَاءِ نَفْسِهِ وَلَمْ يُصْلِحْهَا وَلاَ غَيَّرَ شَيْئًا فِي حَيَاتِهِ الْيَوْمِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الرَّحَمَاتِ وَالْأَلْطَافِ وَلَمْ يُدْرِكْهَا، بَلْ كَانَ مَحْرُومًا مِنْ كُلِّ ذَلِكَ، وَالْعِيَاذُ بِاللَّه. يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اَلصِّيَامُ جُنَّة».[4] وَيَقُولُ ﷺ ِفي حَدِيثٍ آخَر: «مَنْ صَامَ يَوْمًا ِفي سَبِيلِ اللَّهِ جَعَلَ اللَّهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّارِ خَنْدَقًا كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض».[5]

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ الْكِرَام،

لَقَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْعَلَقِ أَنْ نَسْجُدَ لَهُ وَنَقْتَرِبَ مِنْه.[6] وَإِنَّ التَّقَرُّبَ إلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَالْقُرْبَ مِنْهُ لَهُوَ أَرْفَعُ مَنْزِلَةٍ يُمْكِنُ لِإِنْسَانٍ أَنْ يَنَالَهَا. وَأَقْرَبُ مَا يَكُونُ الْعَبْدُ مِنْ رَبِّهِ وَهُوَ سَاجِد. فَالصَّلاَةُ لِذَلِكَ عِبَادَةٌ مُهِمَّةٌ تُقَرِّبُ الْعَبْدَ مِنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلّ. وَالصَّلاَةُ مِعْرَاجُ الْمُؤْمِن. وَلَكِنْ لِكَيْ تَرْفَعَ الصَّلاَةُ صَاحِبَهَا لاَ بُدَّ مِنْ أَدَائِهَا أَدَاءً تَامًّا بِخُشُوعٍ وَإِخْلاَص. وَقَدْ أَخْبَرَنَا الْقُرْآنُ بِأَنَّ الصَّلاَةَ مِثْلُ الصَّوْمِ، تَنْهَى صَاحِبَهَا عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَر.[7]  فَلِكَيْ تُحَافِظَ الصَّلاَةُ عَلَيْنَا، وَتُثْمِرَ فِينَا تَقْوَى اللَّهِ وَالْمُجَاهَدَةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْعَدَالَةَ وَالصِّدْقَ، لاَ بُدَّ عَلَيْنَا مِنْ أَنْ نُحَافِظَ عَلَى الصَّلاَةِ أَوَّلاً. وَإِلاَّ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَجَالٌ لِلْحَدِيثِ عَنْ مِعْرَاجِ الْمُؤْمِنِ بِالصَّلاَة.

أَسْأَلُ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنْ يَحْفَظَنَا بِالصِّيَامِ وَأَنْ يَرْفَعَنَا بِالصَّلاَةِ، إنَّهُ وَلِيُّ ذَلِكَ وَالْقَادِرُ عَلَيْه، آمِين.

[1] سورة البقرة: ١٨٥
[2] سورة البقرة: ١٨٣
[3] سنن ابن ماجه، كتاب الصوم، ٢١
[4] صحيح البخاري، كتاب الصوم، ٢؛ صحيح مسلم، كتاب الصيام، ١٦٣؛ سنن أبي داود، كتاب الصوم، ٢٥
[5] سنن الترمذي، كتاب الجهاد، ٣، الحديث رقم (١٦٢٤)
[6] سورة العلق: ١٩
[7] سورة العنكبوت: ٤٥

خُطْبَةُ الْجُمُعَة ١٦\٤\٢٠٢١ – الصَّوْمُ يَقِي الْمُؤْمِنَ وَالصَّلاَةُ تَرْفَعُه

PHP Code Snippets Powered By : XYZScripts.com