
سُورَةُ الْفَاتِحَةِ هِيَ أَوَّلُ سُوَرِ الْقُرْآنِ، وَهِيَ دَلِيلُ الْقُرْآنِ عَلَى خَلْقِ الْإِنْسَانِ. وَمِنْ أَسْمَائِهَا الْأُخْرَى "أُمُّ الْكِتَابِ" تُعَرِفُنَا هَذِهِ السُّورَةُ بِاللَّهِ تَعَالَى مِنْ خِلَالِ صِفَاتِهِ الْعُلْيَا، وَتُعَلِّمُنَا كَيْفَ نُؤْمِنُ بِهِ وَنَعْبُدُهُ، وَتُرْشِدُنَا إِلَى الطُّرُقِ الَّتِي تُوَصِّلُ بَنِي آدَمَ إِلَى السَّعَادَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ. "الْحَمْدُ" هو الثَّنَاءُ عَلَى اللَّهِ بِصِفَاتِهِ الَّتِي كُلُّهَا أَوْصَافُ كَمَالٍ. "الرَّبُّ" السَّيِّدُ الْمَالِكُ الْمُصْلِحُ الْمَعْبُودُ بِحَقِّ جَلَّ جَلَالُهُ، يُرَبِّي، وَيُدَبِّرُ. "الْعَالَمِينَ" وَهُوَ كُلُّ مَوْجُودٍ سِوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ "الرَّحْمَنِ" وَهُوَ الصِّفَةُ الثَّانِيَةُ لِلَّهِ فِي السُّورَةِ، وَتَعْنِي أَنَّهُ تَعَالَى ذُو الرَّحْمَةِ الْوَاسِعَةِ الْعَظِيمَةِ الَّتِي وَسَعَتْ كُلَّ شَيْءٍ، وَعَمَّتْ كُلَّ حَيٍّ، وَكَتَبَهَا لِلْمُتَّقِينَ الْمُتَّبِعِينَ لِأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ. "مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ" لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ مَعَهُ حُكْمًا وَهُوَ مَالِكُ يَوْمِ الْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ. وَهُنَا لَابُدَّ مِنْ الْوُقُوفِ عِنْدَ أَمْرٍ مُهِمٍّ فِي تَرْتِيبِ الْآيَاتِ حَيْثُ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ" يَعْنِي: إِيَّاكَ نُوَحِّدُ، وَنَخَافُ، وَنَرْجُو يَا رَبَّنَا لَا غَيْرَكَ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ عَلَى طَاعَتِكَ وَعَلَى أُمُورِنَا كُلِّهَا. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ طَلَبَ الْعَوْنِ مِنْ اللَّهِ مَشْرُوطٌ بِأَنْ يَقْبَلَ الْعَبْدُ أَوَّلًا عِبَادَةَ اللَّهِ بِإِرَادَتِهِ. فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَنَالَ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى فَعَلَيْهِ أَنْ يَسِيرَ فِي طَرِيقِ اللَّهِ.