
لَقَدْ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى الْكَوْنَ وَمَا فِيهِ مِنْ كَائِنَاتٍ وَفْقَ نِظَامٍ وَفِي تَوَازُنٍ دَقِيق. وَلَيْسَ فِي هَذِهِ الْكَائِنَاتِ شَيْءٌ ثَابِتٌ لَا يَتَحَرَّك. بَلِ الْكُلُّ يُسَبِّحُ اللَّهَ تَعَالَى فِي حَرَكَةٍ دَائِمَةٍ، وَتُؤَدِّي الْوَظِيفَةَ الَّتِي خُلِقَ مِنْ أَجْلِهَا. وَإِنَّ فِي حَيَاةِ الْإِنْسَانِ كَذَلِكَ حَرَكَةً مِنْ هَذَا النَّوْع. فَإِنَّ حَيَاةَ الْإِنْسَانِ أَيْضًا لَا تَتَوَقَّفُ، بَلْ تَمُرُّ بِمَرَاحِلَ تَعْقُبُ بَعْضُهَا بَعْضًا. هَكَذَا يَعِيشُ الْإِنْسَانُ فِي بِدَايَةِ حَيَاتِهِ وَطُفُولَتِهِ رَبِيعَ عُمْرِهِ، ثُمَّ يَعِيشُ صَيْفَهُ فِي شَبَابِهِ، ثُمَّ يَمُرُّ بِخَرِيفِ عُمْرِهِ فِي مَرْحَلَةِ نُضْجِهِ وَاسْتِوَائِه، وَأَخِيرًا تَحُلُّ الشِّتَاءُ فِي حَيَاتِهِ فَيَعْجَزُ وَيُتَوَفَّى. وَلِكُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَرَاحِلِ مِيزَاتُهُ وَمَصَاعِبُه، كَمَا أَنَّ لِكُلِّ مَرْحَلَةٍ مِنْهَا نِعَمٌ خَاصَّةٌ يَتَمَتَّعُ بِهَا الْإِنْسَانُ حِينًا ثُمَّ تَخْتَفِي مَعَ ذَهَابِ فَصْلِهَا. وَنَحْنُ إِنْ شَكَرْنَا هَذِهِ النِّعَمَ وَاسْتَغْلَلْنَاهَا فِيمَا خُلِقَتْ مِنْ أَجْلِهَا، رَجَوْنَا اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُسْعِدَنَا فِي دَارِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَة.